لم يتعلم اليمنيون ولم يصل الدرس، منذ قيام ثورة 26 من سبتمبر والحقوق الوطنية والسياسية والوظيفية تتوه في طرق المماحكات السياسية، لماذا؟ لأن الرشد السياسي والحزبي لم يكتمل لم تبلغ شروطه الوطنية منتهاها، لم يؤمن الجميع بالحقوق التي لابد لها وحتمًا أن تسمو فوق كل الاعتبارات..
أُجهضت تلك الثورة في دهاليز الصراع الخائب، في مسلخ الجيوب التي لم تشبع والقلوب التي لم ترتوِ من آلام الناس وشتاتهم، لحقها الحدث التاريخي الأعظم حدث الوحدة اليمنيةـ تحققت كحلم يمني جامع ناضل اليمنيون من أجله وسكبوا دماءهم على كل السفوح والهضاب وبطون الأودية..
تشرد الأحرار وأُتخمت بهم السجون، فكانت مماحكات النخب الندالين، ضاربي المندل، قارعي الطبول لها بالمرصاد فَجَرت طريقها لُغم مسارها وأجهضت الحلم الذي رباه اليمنيون جنينًا، رعوه طفلاً، وشبابًا يافعًا منزوعي الولاء والانتماء للوطن، أنصاف الثوار عبيد المصالح قتلوه على طريق التعصب وحب السيادة والاستئثار بحق الآخر وعلى مبدأ وأنا وحدي ومن راءي الطوفان..
حطموا قناعات الناس ودمروا حلمهم وأطلقوهم في الشوراع والساحات يهتفون بعودة الماضي ليس لهواهم الصادق ولكن يأسًا من أولئك من صلاحهم من الغياب المستحكم للحكمة والرشد..
ثورة الشباب 2011م كانت في بداياتها سلمية مطلبها التصحيح والتغيير الذي تُحدِثه كل الشعوب عندما تشيخ الأنظمة وتنغلق أفاق التصحيح ويستشري الفساد وتحرق ملفات الضمائر، تخطت مرحلة خطر الحرب الأهلية لملمها عقلاء القوم وتوسط الأشقاء دخلوا في مؤتمر حوار وطني شامل أشتركت فيه كل شرائح المجتمع حققت مطالب الجميع وكاد حلم قيام الدولة الاتحادي العادلة أن يتحق..
كان الضباع لها بالمرصاد اتفق الشعب كل الشعب إلا اثنان تحفظ الحوثي وعفاش على نظام الأقاليم والمخرجات التي أنصفتهم وأعطتهم فوق أحلامهم..
عقروها ولم يتركوا اليمن يمضي كباقي الشعوب عقروا الناقة ورفضوا ركوب السفية اعتقدوا أن الجبال ستعصمهم من طوفان الشعب، لعنات الظلم والدماء والأرواح التي سفكوها، والبنية التحتية سُحقت أحاطت بهم الجريمة، شربوا من مرارة الكأس حتى هلك الكثير منهم ومنهم من ينتظر..
أتت الحرب بجحفلها سقطت العاصمة، طغت الميلشيات بفعل الخونة الذين سلموها سلاح الأمة ومفاتيح الجمهورية واحتياطي البنوك من العملات الوطنية والأجنبية، تدحرجت كرتهم الحمراء من أقاصي الكهوف، من أعالي الجبال، صدتها تعز مقاومتها جمهوريتها إباءها حبها وعشقها للحرية وقالت لها هناك قفي بعيدًا عنا هناك..
تلقفها نارها بعض الموهومين أنه " عيجلب" وسنعود إلى قصور اللهو وسرقة الحقول واللقمة من أفواه المساكين غير السح انقلب..
عندما باع الناس تعز اشترت وعندما خانوا أوفت وعندما غادروا الوطن صمد أهلها وقالوا لن نبرحها حتى يحكم الله بيننا وبين القوم الظالمين، قالوها كما قال الأوائل الجمهورية أو الموت، استمرت كعهدها حاملةً لمصابيح العلم، فتحت المدارس، واستمرت في إدارة العملية التعليمية بنجاح، رغم الحصار وشح الموارد وقساوة كل الظروف..
كان عشق التعليم زادهم والتحدي اللامحدود للجهل حاديهم، هتفت مدارسها للجمهورية دون باقي المدن أشعلت شُعل الثورة ورددت كل الأناشيد الوطنية، هزت أركان الحوثية السلالية التي قهرت المعلمين في مناطقها، وأجبروهم على العمل دون مقابل، بل اتهموا كل من قال أين راتبي بالعمالة والارتزاق غيروا أسماء المدارس بدلوا النشيد الوطني حرفوا مناهج التعليم منعوا خروج الناس للمطالبة برواتبهم..
تعز السلطة المحلية مكتب التربية فيها هي وحدها التي أعطت للمعلم حقه بما استطاعت من حقوق، من مستحقات من رواتب، من حريات للتعبير عن رضاهم أو سخطهم، وسَّعت مساحات النقاش وفتحت أذانها للمطالب، خرج البعض ليتظاهر ليعبر عن مطالبة، غير أن المماحكات والكيد السياسي كان بين الصفوف كعادته يتخفى!
لن يتعلم البعض مما جرى لم يستوعبوا الدرس من النكبات التي سبق ذكرها لن يؤمنوا بأن ذلك السلوك كان السبب في إفراغ ثورة 26 من سبتمبر من محتواها وسلب الوحده وهجها وثورة 2011م طموحاتها وقتل كيدهم مخرجات الحوار الوطني فكانوا السبب الأخزى والفعل الأوطى للمأساة التي لم تعرفها اليمن عبر تاريخها..
فهلا خرج المندسون من بين الصفوف وجاهروا بمطالبهم وحتى عن حقدهم وأهدافهم بصراحة دون تخفي إماطة الأقنعة، وتركوا استغلال الظروف القاسية بفعل الحرب، عسى أن تُحل مشاكلهم أو يشفيهم الله من السلوك الذي يودي في العادة بصاحبة قبل الآخرين..
فهلا تركوا للعملية التعليمية شأنها وتركوا لقادتها إدارتها ولمعلميها لأرواحهم العاشقة للوطن أن يعبروا، فهلا تركوها شعلةً للنور تضيء كعادتها دروب الوطن، وهلا أدركوا بأن الخصم لازال على بعد مرمى حجر يتربصُ بالجميع؟
-->