لقد شرع الله -سبحانه وتعالى- القتال للمؤمنين ليس لمجرد القتل، ولا للعبث، ولا لقهر الآخر والتسلط عليه، كما عرف عن أعراف القتال في حياة البشرية عبر التاريخ، وإنما شرع القتال من أجل الحياة، ومن أجل استقامة الحياة ذاتها، ومن أجل أن يسود الشرع وقانون الله في الأرض، وتسود العدالة التي يحيى في ظلها الإنسان حياته الطبيعية العادلة المرفهة.
وعندما شرع الله -سبحانه وتعالى- هذا القتال، حدد معه ضوابط ومبادئ وأخلاقاً لا يمكن تجاوزها، بل ويؤثم من يخالفها، ومن كانت هذه الضوابط مصاحبة معه فهو قتال في سبيل الله يؤجر بها المقاتل قدر أجر المقتول في ذات السبيل.
ولو رجعنا لآيات القتال في القرآن الكريم سنجد أنها كلها في سبيل الإيجاب، ولم تكن تمثل حالة اعتداءٍ، كما يصورها خصوم الإسلام.
فهذه الآية {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ}البقرة190 تمثل الإطار العام للحث على القتال، في رد الاعتداء، وقتال المقاتلين، واعتبر ذلك الدفاع وردع العدوان هو في سبيل الله، ومن قَتل أو قٌتل في سبيل الله فالجزاء الجنة، كما قال: {فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ}آل عمران195، وقال: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ}محمد4، وقاد نهى عن الاعتداء.
كذلك اعتبر الشارع الحكيم أن القتال من أجل العودة إلى الديار، وإنهاء حالة التشرد، هو في سبيل الله أيضاً، كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}البقرة246. وقد ركزت هذه الآية تحديداً على نوعية القيادة؛ فالأمة بدون قائد لا يمكنها القتال أبداً، ولذلك طالبوا بالقيادة قبل القتال.
وكذلك القتال لتخليص المستضعفين في الأرض من الظلم والبغي والعدوان، ونصرتهم، هو قتال في سبيل الله أيضاً، وقد حث الله -سبحانه وتعالى- عليه، بسؤال استفهامي استعظاماً للأمر وحثاً عليه، قال تعالى، عن نصرة المستضعفين المظلومين: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً}النساء75
وبالمراجعة لكل حالات الآيات القرآن الكريم التي تحث على هذا القتال، نجدها كلها تنطبق على الحوثيين المعتدين.
ويملك اليمنيون كل الأسباب الروحية والدوافع الدينية لقتال الحوثي، دون أي تردد، واعتباره جهاداً في سبيل الله، دون أي لبس أو حرج شرعي.
ونجد أن آيات القتال كلها تعالج القضايا التالية:
- إيقاف العدوان، والحوثي معتدي
- ردع العدوان، والحوثي لا يردعه إلا القتال وإلا استمر في ارتكاب جرائمه بحق الإنسانية
- قتال البغاة، والحوثي باغٍ في الأرض؛ يقتل بغير تمييز، ويدمر، ويشرد الإنسان، وينهب الأموال، ويرتكب كل الجرائم {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}الحجرات9
- قتال من أجل العودة إلى الديار، والحوثي شرد المواطنين وهجرهم من ديارهم، واستولى على أموالهم انتصار للحق
- القتال دون المال، وفي الحديث: (من قتل دون ماله فهو شهيد)
- القتال دون العرض، وفي الحديث: (من قتل دون عرضه فهو شهيد)
- القتال دون الأرض {وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ}آل عمران167، والحوثي غازٍ للبلاد مدمر للأوطان
- القتال دون الدين، {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ}البقرة193؛ فالحوثي يلعب بعقيدة الأمة ويغير مناهج الدين والتعليم
- القتال من أجل نصرة المظلومين والمستضعفين، والحوثي استضعف واستعبد اليمنيين بشكل عام، {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً}النساء75
- القتال من أجل رفع الظلم عن اليمنيين، والحوثيون ظلموا الشعب اليمني، {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}الحج39
- القتال في الأشهر الحرم؛ فالحوثيون لم يراعوا الأشهر الحرم، وهم يقولون إنهم مسلمون!
بينما لا يعرفون أخلاقيات الحروب، ولا أخلاقيات ووصايا الدين الإسلامي في القتال. {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}البقرة217
في حالة القتال ضد الحوثيين المعتدين اليوم على اليمن؛ الذين دمروه أرضاً وإنساناً، نجد معظم اليمنيين قد التبس عليهم أمر القتال ضد الحوثي، ويترددون عن مقاتلته من الناحية الشرعية؛ ظانين أنها فتنة بين إخوة، وقد تحصل الفتن بين الإخوة نعم، لكن الأخ المعتدي، الأخ الباغي، الأخ الظالم، الأخ الذي جندته الدول الاستعمارية لتدمير الوطن، وهو لا يعترف بأخوة اليمنيين، هذا وجب قتاله ليس من أجل القتال وحب القتل وإزهاق النفس؛ بل لردعه عن العدوان، لإيقافه عن عدوانه، لإيقافه عن ظلمه، لتأطيره على الحق أطرا، للأخذ بيد الظالم وإعادته إلى جادة الصواب، والتعايش بين اليمنيين.
من خلال تأملاتي واطلاعي على بعض الحوارات مع الناس، نجدهم يثيرون هذه القضايا دون فهم للواقع، ودون معرفة حقيقية بأجندة الحوثي الخارجية؛ فهم يقولون: الحوثة يمنيون، الحوثة إخوة في الدين والوطن؛ وما فهموا أنهم امتداد لطائفة استمرأت العمالة التاريخية ونصرة الاحتلالات المختلفة للبلاد الإسلامية منذ الصليبيين ومروراً بالتتار والاحتلالات المتأخرة، ووصولاً إلى الاحتلالات المعاصرة.
هذه الموازين لم يعرها الحوثيون أدنى اهتمام؛ فأوغلوا في اليمنيين قتلاً وتدميراً ونهباً وتعذيباً؛ فعن أي أخوة يتحدثون؟!
-->