في لحظة فارقة من تاريخ اليمن، ومع تصاعد التهديدات، كان يُؤمَل من اجتماع مجلس القيادة الرئاسي الأخير أن يعيد التماسك للشرعية ويوحّد الجهود ضد المشروع الحوثي، لكن ما حدث جاء مخيبًا للآمال.
عُقد الاجتماع بعد انقطاع طويل، في ظل استمرار الضربات الأمريكية، دون أن يصدر عن المجلس موقف واضح بشأنها، بينما غاب عنه اللواء عيدروس الزبيدي لانشغاله بتدشين بعثة "المجلس الانتقالي الجنوبي" في واشنطن، ما أثار تساؤلات حول التزامه بالشرعية. والمفارقة أن واشنطن، الداعمة للحكومة الشرعية، سمحت بنشاط جهوي على أراضيها، في الوقت الذي تستهدف فيه طائراتها مواقع يمنية دون تنسيق مع الحكومة، وقد انضم إليها "الكيان الصهيوني" بعد نجاح الحوثي في استهداف مطار بن غوريون اليوم.
بدلًا من التركيز على توحيد الجبهات وإنهاء انقلاب الحوثي والحفاظ على ما تبقى من مقدرات يمنية من الاستهداف، انشغل المجلس بتغيير رئيس الوزراء. وقد تفاعلت ردود الأفعال كثيرًا في هذا الاتجاه، وتأكد ذلك باستقالة الدكتور أحمد عوض بن مبارك في 1 مايو 2025، التي نُشرت مساء السبت، وأعقبها تعيين سالم بن بريك في الليلة نفسها، ما يعكس غياب الشفافية في عملية صنع القرار، ويزيد من تآكل الثقة العامة.
الرئيس، الذي طالما قيل إنه مقيَّد بالتوافقات، أثبت أن التغيير ممكن متى توفرت الإرادة. وبذلك، بات ملزمًا، بعد تغيير بن مبارك، باتخاذ قرارات حاسمة لسد الشواغر واستبدال المقصرين من المسؤولين، وخصوصًا باتخاذ قرار الحسم العسكري الذي طالما وعد به، باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة. وكان من الأجدر أن يُشكّل حكومة طوارئ وطنية برئاسة سالم بن بريك، أو حتى عيدروس الزبيدي، لسحب ورقة المزايدة باسم "الجنوب العربي"، وإلزامه بموقف واضح في إطار الجمهورية اليمنية، التي قَبِل الانضمام إليها شكليًا، بينما يوظفها لخدمة مشروعه الانفصالي في الحقيقة. ولا ينبغي السماح له بذلك، بل يجب محاسبته إذا ما عرقل مسار إدارة المرحلة الانتقالية المفوَّض بها مجلس القيادة الرئاسي.
المؤسف أن مناطق الشرعية تعجّ بالمدّعين من أمثال عبد الملك الحوثي، ممن يزعمون تمثيل الشعب، ويمارسون العرقلة، ويتمتعون بالامتيازات، ويتنصلون من تحمل المسؤوليات. الزبيدي ومجلسه يُمثّلون مثالًا واضحًا على ذلك، ويقع على عاتقه تحمّل مسؤوليته الوطنية والدفاع بصدق عن الجمهورية اليمنية.
والأدهى أن التركيز الإعلامي انصبّ على تغيير رئيس الوزراء، متجاهلًا فقرة محورية في الإحاطة الرسمية، جاء فيها:
"استمع المجلس إلى إيجاز للموقف العسكري ومستوى الجاهزية القتالية، وتشارك المعلومات، والإجراءات المتخذة في ضوء قرار المجلس بشأن وحدة الجبهات."
هذه الفقرة تُعدّ جوهر الاجتماع، إذ تمثل توجهًا عمليًا نحو توحيد الجبهات واستعادة زمام المبادرة. لكن لا ينبغي أن تضيع وسط ضجيج التعيينات. وفيما يلي أورد بعض المقترحات، علّها تساعد وتعين مجلس القيادة الرئاسي.
مقترحات عملية قد تُسهم في تسريع الحسم واستعادة المبادرة:
1. تشكيل لجنة طارئة لتقييم الجبهات ورفع تقرير فوري.
2. إنشاء غرفة عمليات موحدة لتبادل المعلومات لحظيًا.
3. الطلب من أمريكا وتحالفاتها التوقف عن استهداف المقدرات اليمنية، وبدلًا من ذلك تزويد الجيش الوطني بالأسلحة الضرورية وتبادل المعلومات الاستخباراتية.
4. تنفيذ خطط هجومية متزامنة تغلق الثغرات الجغرافية.
5. رفع الاستعداد القتالي إلى 100% في كل الجبهات.
6. إعادة توزيع الموارد حسب الضغط العسكري.
7. تعيين قائد موحد للعمليات بإشراف المجلس الرئاسي.
8. تعزيز الإمداد اللوجستي الفوري للمناطق الأمامية.
9. إعلان حالة طوارئ وطنية لدعم الحسم العسكري.
ختامًا...
استقالة بن مبارك لم تكن نهاية مرحلة فحسب، بل تعبيرًا عن فشل في إدارة التباينات داخل الشرعية.
فإن تمكن بن بريك من تحويل الحكومة إلى أداة فاعلة للحسم الوطني، فمرحبًا به رئيسًا حقيقيًا لحكومة الإنقاذ، لا مجرد واجهة لتوازن هش.
-->