بينما كانت أنظار العالم شاخصة نحو تطورات النزاع في اليمن، برز تصريح السفير مصطفى نعمان، نائب وزير الخارجية اليمني، كرسالة واضحة تُثير تساؤلات حول مستقبل اليمن بعد سقوط الحوثي. هذا التصريح لم يكن مجرد كلمات؛ كان دعوة للتأمل في أحد أخطر السيناريوهات التي قد تهدد استقرار اليمن والمنطقة بأسرها: الفراغ الأمني والسياسي.
هل يحق لنا أن نسمح لأنفسنا بالفراغ؟ هذا هو السؤال الذي طرحه السفير نعمان، لكن بطريقة مباشرة وغير تقليدية. فبينما اعتاد البعض أن يروّج لروايات الحوثيين حول “القاعدة وداعش”، كان نعمان يطرح تساؤلاً مشروعًا: ماذا لو كان الفراغ الذي يُترَك بعد إضعاف الحوثي سيفتح المجال لتلك الجماعات الإرهابية؟ هل هذا هو ما نريد لليمن؟ هل نرغب في أن تُصبح بلادنا ساحة صراع مفتوحة بلا هوية، بلا سيطرة، بلا دولة؟
لقد نطق السفير بما قد يراه البعض تحذيرًا، لكن في الحقيقة، كان هذا التصريح نداءً من أجل الفهم العميق للواقع. الإرهاب لا يخرج من فراغ، بل يستغل كل مسعى من أجل صناعة حالة من الفوضى. لن تُبنى الدولة بالضغوط العسكرية وحدها، بل بوجود خطة سياسية وعسكرية متكاملة، لا تترك مجالًا للعبث أو للمجازفات الكبرى.
وبينما سعى البعض لتشويه هذا التحذير واعتباره تكرارًا لخطابات الحوثيين، نجد أن الحقيقة أبعد من ذلك بكثير. السفير نعمان لم يقل “لننتظر الحوثي”، بل قال “علينا أن نكون جاهزين بعد أن نضعف الحوثي”. وهذا الطرح يحمل في طياته إجابة عملية على سؤال قد يكون مصيريًا: ماذا بعد الحوثي؟
إن عدم التجهيز لما بعد تحرير المناطق قد يفتح أبوابًا أخرى للمجهول. الفراغ لا يمكن أن يكون خيارًا لأي دولة، خاصة دولة مثل اليمن التي تعاني من تعقيدات أمنية واجتماعية غاية في التعقيد. فهل كانت القوات اليمنية مستعدة بشكل كامل للمرحلة التي تلي؟ هل هناك خطة فعلية لملء هذا الفراغ؟ بالطبع، لا. فالحكومة اليمنية رغم تضحيات جيشها، تحتاج إلى دعم لوجستي وعسكري حاسم لضمان حماية الأرض واستقرار الشعب.
ومن هنا، يُطرح تساؤل آخر: هل يُمكن أن نعتبر الحملة الجوية الأمريكية كافية لإنهاء التهديد الحوثي؟ الإجابة واضحة: لا يمكن لأي حملة جوية أن تحقق الاستقرار دون توافر الخطط البرية والتنسيق الكامل مع القوات المحلية، وقد أشار السفير نعمان إلى هذا الجانب بشكل دقيق، عندما قال إن الحملة الجوية إذا لم تُتبع بتدخل بري وتنسيق عسكري شامل، فإنها قد تُفضي إلى نفس النتيجة الفوضوية التي شهدناها في صراعات أخرى حول العالم.
وفي قلب هذه المعادلة، يظهر الإنسان. فحين يتحدث نعمان عن تراجع المساعدات الإنسانية وتخفيضات التمويل، فإنه يعكس همًا حقيقيًا يتجاوز الحرب العسكرية. الأزمة الإنسانية في اليمن تزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم، والمساعدات التي كانت تُسهم في حماية الحياة اليومية لنحو 9.5 مليون يمني تراجعت بشكل غير مسبوق، مما يهدد بتفاقم المجاعة والكارثة الإنسانية.
لكن من يملك القدرة على تغيير هذا المسار؟ الجواب بسيط: نحن. التحالف الدولي، والمجتمع الدولي، والحكومة اليمنية، والجميع يجب أن يُدركوا أن السلام لا يأتي من السماء، بل يحتاج إلى إستراتيجيات شاملة، لا تُستَكمل بمجرد عمليات جوية أو دعم عسكري محدود.
في النهاية، إن تصريحات السفير مصطفى نعمان لم تكن دعوة للتمسك بالحوثي أو تأجيل التحرير، بل كانت دعوة للإجابة على السؤال الأهم: ماذا بعد؟. اليمن بحاجة إلى بديل قوي، إلى خطة شاملة، إلى حكومة قادرة على ملء الفراغ وبناء السلام.
لن نسمح بأن يتحوّل اليمن إلى ساحة فوضى جديدة، ولن نُقحم أنفسنا في دوامة لا تنتهي من النزاعات. الحل يكمن في التماسك الوطني، في تعزيز القوى المحلية، وفي دعم دولي حقيقي وواقعي.
-->