تحليل خاص
بعد سنوات من ترسيخ حضورهم كقوة مُزعزعة للاستقرار في اليمن، تاركين وراءهم دمارًا واسعًا على الصعيد المحلي، برز الحوثيون فجأة كلاعب إقليمي جديد في أعقاب تداعيات السابع من أكتوبر وتصاعد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. استعرضت الجماعة قدراتها العسكرية في منطقة البحر الأحمر، وهو تحول لافت تزامن مع تغطية إعلامية غربية وعبرية مُكثفة عملت على تضخيم قوتهم بشكل ملحوظ. هذا التزامن يثير تساؤلات جوهرية حول ما إذا كانت هذه الحملة الإعلامية تمهيدًا لعمل عسكري حاسم يهدف إلى "تصفية" نفوذهم المتنامي.
تشير التحليلات إلى أن تحركات الحوثيين الأخيرة، والتي شملت عسكرة الممرات المائية الدولية وتنفيذ عمليات قرصنة، تتجاوز مجرد التعبير عن الدعم للقضية الفلسطينية. يُنظر إليها على نطاق واسع كجزء من أجندة إقليمية مُرتبة، يُشتبه في وقوف إيران وربما قوى دولية أخرى خلفها، بهدف تخفيف الضغط على جبهات صراع أخرى مثل الحرب في أوكرانيا والمواجهة الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين.
التضخيم الإعلامي: قراءة في الدوافع والتداعيات
المثير للانتباه هو التناغم اللافت بين تصاعد عمليات الحوثيين وتزايد التقارير الإعلامية التي تُهَوّل من قوتهم وتُبرز "جرأتهم" في تحدي الولايات المتحدة. هذا التضخيم الإعلامي، الذي تتسابق إليه وسائل إعلام عبرية وغربية، يثير شكوكًا حول الأهداف الكامنة وراء هذه السياسة الإعلامية المُريبة.
يستحضر المحلل السياسي عبدالناصر المودع مقاربات تاريخية تحذر من مغبة الاستهانة بقوة الخصم أو المبالغة في تقدير الذات. ويقول: "إن إلحاق خسائر بقوة أعظم تملك القدرة على تدميرك بالكامل ليس نصرًا، بل حماقة استراتيجية ستدفع ثمنها باهظًا." ويضيف محذرًا: "مثل هذا العدو قادر على استيعاب الضربة وإعادة ترتيب صفوفه وتوجيه المعركة نحو حسم نهائي لا يرضى بأقل من القضاء عليك تمامًا."
نشوة زائفة وخطر مُحدق
احتفاء الحوثيين بإعلان الولايات المتحدة عن فقدان إحدى طائراتها، والذي يعتبرونه "إنجازًا نوعيًا"، يجب أن يُقابَل بحذر شديد. فإذا صحت التقارير عن قدرة الحوثيين على تهديد أو حتى إصابة حاملة طائرات أمريكية، فإن ذلك لا يُعد مكسبًا تكتيكيًا بقدر ما يُمثل وضعًا كارثيًا سيضعهم في مرمى رد فعل أمريكي مُدمر وغير محدود، حسب المودع.
تُشير المعادلة الاستراتيجية بوضوح إلى أن فارق القوة الهائل لصالح الولايات المتحدة يجعل أي ضربة ناجحة من قبل الحوثيين بمثابة تسريع لنهايتهم. كما أن المجتمع الدولي، باستثناء قلة قليلة، لا ينظر إلى الحوثيين كضحايا في هذا الصراع، بل كطرف مُبادِر يتحمل مسؤولية التصعيد. حتى الدول التي يُفترض أنها خصوم لأمريكا، مثل روسيا والصين، أيدت قرارات مجلس الأمن التي تُدين هجمات الحوثيين، مما يُضعف روايتهم حول دعم غزة.
اليمنيون يدفعون الثمن
الأكثر خطورة هو أن تبعات أي رد أمريكي واسع النطاق لن تطال القيادات الحوثية المتمرسة في فن الاختفاء، وعلى رأسهم عبدالملك الحوثي، إلا في نهاية المطاف. بل سيكون اليمنيون العاديون، مدنيين وعسكريين، هم من سيدفعون الثمن الأكبر، بالإضافة إلى ما تبقى من بنية تحتية مُنهكة، حسب ما يشير المحلل عبدالناصر المودع.
ويُشير التقرير حسب المودع إلى أن الولايات المتحدة، إذا ما قررت بالفعل "التخلص" من تهديد الحوثيين، فمن غير المرجح أن تتردد في استخدام أقصى درجات القوة، بما في ذلك القصف المكثف والعمليات الخاصة لاستهداف القيادات العليا. وقد يشمل ذلك استخدام أسلحة ذات طابع تدميري شامل إذا ما تجاوز الحوثيون "خطوطًا حمراء" أمريكية واضحة.
آراء وتحليلات مُتقاطعة
يُضيف الدكتور مروان الغفوري، طبيب القلب والكاتب والمحلل السياسي، منظورًا آخر، مشيرًا إلى أن وصول صاروخ حوثي إلى مطار بن غوريون، بغض النظر عن حجم الأضرار، يُعد رسالة واضحة بقدرة الجماعة على الوصول إلى أهداف بعيدة. لكنه يشكك في قدرة إدارة ترامب على استغلال هذا التطور لردع خصومها. ويتوقع الغفوري أن تستغل إسرائيل هذا الحدث لتضخيم خطر الحوثيين بهدف تعكير المفاوضات مع إيران واستدرار التعاطف الغربي.
من جهته، يستحضر السياسي علي البخيتي تجربة العراق، مُحذرًا من تكرار سيناريو تضخيم قوة الخصم قبل سحقه عسكريًا.
خلاصة وتحذير
بينما تتصاعد المخاوف من رد فعل أمريكي قوي يهدف إلى "تصفية" هذا التهديد الإقليمي المتنامي، يبقى اليمنيون هم الأكثر عرضة لدفع الثمن الأكبر لهذه المواجهة. إن المعادلة واضحة: كلما زادت الخسائر التي يتسبب بها الحوثيون للولايات المتحدة ومصالحها، كلما اقتربت لحظة التحول الجذري التي قد تضع عبدالملك الحوثي وقياداته على رأس قائمة الأولويات الأمريكية للتصفية. في منطق القوى العظمى، نادرًا ما ينجو من يُوجعها.
-->