في مشهد يعبّر عن أقصى درجات التناقض السياسي والإنساني، يرفع الحوثيون شعار "نصرة غزة" بينما تتعرض صنعاء والحديدة لقصف أمريكي مباشر، وتُستهدف المنشآت المدنية الحيوية في اليمن، دون أن يُسمع لهم صوت احتجاج أو حتى إطلاق رصاصة واحدة تجاه من يقصف أرضهم.
الولايات المتحدة الأمريكية شنت خلال الأشهر الأخيرة عشرات الغارات الجوية على مواقع في العاصمة صنعاء ومحافظة الحديدة، بزعم استهداف مواقع عسكرية تستخدمها جماعة الحوثي لتهديد الملاحة الدولية. ورغم هذا التصعيد العسكري المباشر، يستمر الحوثيون في الترويج لدورهم "التحرري" في دعم المقاومة الفلسطينية، ويطلقون الصواريخ من صنعاء نحو البحر الأحمر تحت شعار "الرد على جرائم الاحتلال في غزة".
لكن ما لا يُقال — وما يجب أن يُقال — هو أن من يدّعي الدفاع عن فلسطين لا يبيع سيادة وطنه ولا يصمت على قصف مدنه. فمن غير المعقول أن تتعرض الحديدة لغارات جوية عنيفة، يُقتل فيها مدنيون وتُدمر منشآت عامة، بينما تتوجه خطابات الحوثيين إلى غزة، وكأن الدم اليمني أرخص من أن يُذكر.
هل أصبحت غزة غطاءً لقصف اليمن؟
لماذا لا نرى أي تصعيد حقيقي من الحوثيين ضد من يقصف أراضيهم؟ ولماذا لا يُطلق عليهم وصف "العدو" كما يُطلق على إسرائيل؟
بل الأدهى أن الخطاب الحوثي يُركز على "أمريكا الشيطان الأكبر" إعلاميًا، لكنه لا يترجم هذا الوصف إلى أفعال، بل يتماهى مع الغارات، وكأن هناك تفاهمًا ضمنيًا على توزيع الأدوار.
الشعب اليمني، الذي يعاني من الحصار والفقر والقصف وانهيار الخدمات، لم يعد يقتنع بالشعارات الجوفاء. فالحقيقة واضحة: من يتخذ من غزة ذريعة لإطالة أمد الحرب الداخلية، ويُقايض الدم اليمني بمكاسب سياسية، لا يمكن أن يكون مقاومًا حقيقيًا.
إن استخدام القضية الفلسطينية كستار لتبرير القصف الداخلي، والتهرب من مسؤوليات الحماية والدفاع عن الأرض اليمنية، هو خيانة مزدوجة. خيانة لفلسطين وخيانة لليمن.
نصرة غزة لا تعني تسليم الحديدة.
ولا تعني الصمت عن قصف صنعاء.
ولا تعني استخدام دماء اليمنيين كورقة تفاوض.
إن لم يبدأ الحوثيون بالدفاع عن سيادة اليمن أولًا، فلن يصدقهم أحد حين يتحدثون عن مقاومة الخارج. وإن استمرت الولايات المتحدة في قصف المدن اليمنية دون رد حقيقي، فالشعب لن يظل صامتًا أمام هذا التواطؤ.
-->