تعز ، سنة عاشرة مقاومة

موسى المقطري
الأحد ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٥ الساعة ٠٥:٠٦ مساءً

 

اكملت تـعـز - المدينة التي لا تشيخ ولا تنكسر ولا تتراجع - عشر سنوات من الفعل المقاوم الذي انطلق كاستجابة طبيعية لردع مشروع الكهنوت الحوثي الرامي لطمس التاريخ والهوية اليمنية ، والتحول لهوية طارئة لاتمثل اليمن ولا اليمنيين ، وقتها علقت تعز على كتفيها راية الجمهورية ومشت بثبات في طريقٍ تكتنفه المخاطر من كل الجهات ، ولم ترضَ أن تكون ظلاً لأحد ، أو قابعة في الهامش تنتظر النتائج ، فذهبت لتنسج معادلتها الخاصة بأسلوبها الفريد ، فصنعت من الألم مجداً، ومن الحصار نموذجاً فريداً في الصمود، ومن الوجع قصيدة للعزة لا تنتهي .

 

لم تكن البداية باهرة بل متواضعة ومتواضعة جداً يتجلى فيها شباب "مبنطلين" وشيوخ "بلحى خفيفة ومرتبة" يحملون أسلحة شخصية بسيطة بعضها صدئة وأخرى قد عفى عليها الزمن ، لكنهم بالمقابل يملكون إرداة صلبة تكاد تعانق السماء ، وكانت هذه الارادة هي كل ما في يد المقاومة الوليدة ، لكن لانها تعز فهي تعرف كيف تُقاتل، وتعرف أكثر كيف تحوّل التحدي إلى فرصة .

 

لم تضع تعز كل بيضها في سلة البندقية، بل صنعت مشروع مقاومة شاملة متعددة الأوجه وموحدة الهدف ، اتخذت ثلاثة مسارات متوازية ومتوازنة :

 

المسار الأول كان المقاومة المسلحة للمعتدين سواء في تعز المدينة أو التربة أو في الريف المتناثر في الاقروض ونجد قسيم والأحكوم وجرداد والوازعية وجبل صبر ومناطق كثيرة لن ينساها التاريخ وإن لم أذكرها هنا ، وتحولت تعز بريفها وحضرها إلى بركان تصلى ناره الانقلابيين الحوثيين ، وغدت ثقباً اسوداً يحصد تعزيزاتهم وإمداداتهم البشرية ، وتم تحرير جزء كبير من المحافظة وفك الحصار بشكل جزئي من المنفذ الغربي .

 

المسار الثاني شمل المقاومة الفكرية ، وفيها أضحت الكلمة سيفاً لا يقل مضاءً عن الرصاص ، ووجهت الجهود لفضح المشروع الحوثي الإمامي وتعريته وتحصين المجتمع منه ، وانطلقت صواريخ الوعي من تعز لتدخض الأوهام الطائفية الحقيرة ، وتقول بوضوح تام : نحن شعب حر لا رعايا ولا عبيد .

 

المسار الثالث كان المقاومة السياسية ، وهو مرتبط بتعز التي لم تكن يوماً لحظة عابرة في المشهد السياسي اليمني بل كانت حاضرة ومؤثرة ، ولأنها كذلك فقد أعلنت موقفاً داعماً لمشروع الدولة ، وانحازت للشرعية كخيار وحيد لمقاومة مشروع الإمامة التي تحاول العودة ، ولاجل هذا آمنت تعز بالدستور ، وصدقت بالقانون ، واختارت أن تكون حائطاً أخيراً لمنع سقوط ما تبقى من الدولة حين اهترئت وتناثرت أغلب الحوائط الأخرى ، وساد مشروع الوطن الجامع ولم تجد المشاريع الصغيرة مكاناً لدى التعزيين مطلقا .

 

وحتى تتضح الصورة فمشروع مقاومة الانقلاب الحوثي لم يكن مقصوراً على تعز وحدها ، فجهات الوطن الأربع كلها قاومت هذا المشروع الظلامي وقدمت الكثير ، لكن حديثي كان عن تعز لأنها "أكملت سنة عاشرة مقاومة" وهي تدلف الى السنة الحادية عشر وقد صارت اكثر تنظيماً وتدريباً وحباً للوطن وجمهورية بامتياز ، والأهم حين نتحدث عن تعز أن ندرك أن المدن لا تُقاس بمساحتها بل بما تقدمه وتحمله وتجيده ، وتعز رغم جراحها خلال عقد كامل ظلت شامخة مرفوعة الرأس ، في كل زقاق منها حكاية شهيد وفي كل بيت قصة مقاوم، وفي الصدور نار لم تخمد بعد .

 

دمتم سالمين ..

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي