شبح الإمامة الشمولي.. وجمهورية الحد الأدنى في اليمن

لؤي العزعزي
الاثنين ، ٢١ ابريل ٢٠٢٥ الساعة ٠١:٠٣ مساءً

 

يثير صعود الحوثيين إلى السلطة في شمال اليمن تساؤلات جوهرية حول مستقبل هذا البلد الذي عانى ويلات الحروب والصراعات. وبرغم سطوتهم الحالية، أرى أن عودة الإمامة الزيدية بشكلها التقليدي باتت ضربًا من المستحيل، حقيقة يدركها الحوثيون أنفسهم قبل غيرهم. لقد طوى اليمنيون صفحة نصف قرن من الحكم الجمهوري، جيلان نشآ وترعرعا على قيم مختلفة، مما يجعل أي محاولة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء ومساعي هندسة المجتمع وفق أيديولوجيات متصلبة أمرًا عبثيًا، هذا ما أراه جليًا.

لكن هذه "الجمهورية" التي ستستمر في ظل حكم الحوثيين لن تكون بالتأكيد تلك التي عرفناها قبل سبتمبر 2014، القائمة على التعددية السياسية والحزبية وهامش معقول من الحريات المدنية، بما يتناسب مع استعدادنا النفسي وتجاربنا. بل ستكون جمهورية إسلامية ذات نزعة شمولية واضحة، تستلهم أدبياتها الثورية من التجربة الإيرانية وتسعى جاهدة لاستنساخها على الأرض اليمنية.

صحيح أن الحركة الحوثية تقدم نفسها كحركة إحياء للمذهب الزيدي وجماعة تسعى لتأسيس دولة ذات أدوار إقليمية وعلاقات مذهبية مع حلف إيران، متخذة من سردية الدفاع عن الوطن ضد التدخل الأجنبي غطاءً للانتماء إلى معسكر المقاومة والممانعة.

إلا أن ممارساتهم على أرض الواقع تكشف عن حقيقة أخرى، حقيقة تتجلى في التنكيل والقمع والتعسف والاعتقالات التي تطال كل من يخالفهم الرأي أو يختلف معهم.

لقد كان وصف الكاتب والباحث اللبناني فيصل جلول للتحولات التي أعقبت ثورة سبتمبر 1962 بـ "انتقال اليمن من مملكة الحد الأقصى إلى جمهورية الحد الأدنى" في غاية الدقة. فاليمن في ظل الحكم الملكي، برغم فقره المدقع، كان يوفر حدًا أدنى من الحماية لرعاياه. ورغم المكاسب الطفيفة التي تحققت في ظل الجمهورية، إلا أن الوضع لم يشهد تحسنًا جذريًا.

واليوم، ومع عودة أحفاد الأئمة إلى السلطة واحتكارهم للمجال العام ومصادرتهم لكل المكاسب التي تحققت بعد ثورة 62، يتوق اليمنيون لاستعادة شكل الدولة اليمنية التي تتسع للجميع، تلك الصورة التي كانت قائمة بشكل جزئي وغير مكتمل قبل عام 2011، العام الذي شهد إسقاط نظام صالح.

تخيلوا حجم المأساة! كل هذه الحروب والضحايا والشتات والتشرذم، وكل ما حدث وسيحدث، يجري بهدف استعادة شكل دولة كان في الأساس يعاني من النقص والقصور!

لكني أؤمن بشدة بأن هذه المليشيا إلى زوال، فما من يمني إلا وتضرر من ممارساتهم. وكما ذكرت آنفًا، لن يتمكنوا من ترويض شعب أبيّ. لكن طريق الخلاص سيكون طويلًا وشاقًا، سيتطلب أولًا اجتثاثهم من جذورهم، ومن ثم العمل المضني على محو آثارهم العميقة.

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي