تحلّ غدًا الذكرى الثالثة لتشكيل مجلس القيادة الرئاسي، وفي هذه المناسبة أطلّ علينا الأستاذ معمر الإرياني برسالته المؤثرة إلى "الرفاق في النضال: اليمن يناديكم اليوم... فلا تخذلوه".
ووزير الإعلام والثقافة والسياحة ليس مجرد وزير إعلام، بل هو مسؤول حكومي يُفترض أن يُعبّر عن موقف الحكومة وقراراتها الرسمية.
غير أن رسالته الأخيرة لم تكن تصريحًا بروتوكوليًا تقليديًا، بل جاءت مختلفة في روحها، مُعبّرة في نبرتها، وحاملةً للقلق في مضمونها.
لقد تجاوزت حدود الوظيفة إلى آفاق الضمير، فكانت بمثابة صوتٍ مرتفعٍ متألّمٍ لما آلت إليه الأوضاع، وصادرة من شخصٍ يدرك حجم المخاطر، ويرى وطنه يتمزق، ونُخبه تتناحر، وميليشيات تعبث دون رادع، فيما تظل "الشرعية" تراوح مكانها، أو تتراجع بسرعة إلى الوراء.
فالمغتصبون للعاصمة لا يزالون جاثمين، والنموذج مفقود، والتمزق موجود، والاقتصاد منهار، والعملة تتدنى قيمتها يومًا بعد يوم، والجوع مستشرٍ، والدولة غائبة، والتشكيلات هي المسيطرة.
مغزى عنوان رسالة الإرياني... بين التاريخ والعتاب!
عنوان الرسالة: "إلى الرفاق" لم يكن عفويًا، بل جاء محمّلًا بدلالات تاريخية وأيديولوجية. إنها عبارة تنطوي على عتابٍ ونقدٍ مبطّن لمكوّنات سياسية لا تزال متقوقعة في خنادق مصالحها الضيقة، ومتمترسة خلف حسابات حزبية أو شخصية أو جهوية، أضرت – ولا تزال – بالمصلحة الوطنية العليا. إنها دعوة صريحة للتحرر من زوايا الأنانية، والانضمام إلى ركب الوطن الجامع، الذي ينادي أبناءه في لحظة لا تحتمل التردد أو المراوغة.
رسالة تحذير... وفرصة لا تتكرر!
في ثنايا الرسالة استشعارٌ دقيقٌ لخطرٍ وجودي يهدد كيان الجمهورية اليمنية، وتنبيهٌ وتحذيرٌ صريحٌ من تفويت فرصة تاريخية أتاحها التحوّل الدولي المتنامي ضد ميليشيا الحوثي. الوزير الإرياني، بصراحة غير معهودة من مسؤولين، يوجّه أصابع اللوم لمن أسهم – بصمته أو تخاذله – في تفاقم الوضع، وينبّه إلى أن اللحظة الراهنة مفصلية ولا يجوز التفريط بها.
ويرى الوزير أن العمليات الأمريكية الأخيرة ضد الحوثيين ليست مجرد رد فعل عابر على تهديدات أمن الملاحة الدولية، بل هي خطوة استراتيجية تستهدف كبح جماح المشروع السلالي الكهنوتي، الذي أغرق اليمن في مستنقعات القهر والدمار والفساد والاستبداد.
يا معالي الوزير، إن كبح المشروع الحوثي لن يتحقق إلا بما دعوتَ إليه من توحّد واصطفاف وتحرك جاد من جميع من وجّهتَ إليهم رسالتك، بهدف إنهاء الانقلاب والتخلي عن المشاريع الضيقة!
التفاؤل الحذر... وصوت الضمير!
وعلى الرغم من نبرة التحذير، لم تخلُ الرسالة من نَفَسٍ تفاؤلي وتحفيزي؛ فقد رآها الوزير فرصةً لا تتكرر لإنقاذ اليمن من قبضة الكهنوت واستعادة الدولة المخطوفة. إلا أن الألم يكمن في المفارقة المؤلمة: كيف لمن يُفترض بهم قيادة المعركة الوطنية أن يظلوا أسرى لحساباتهم ومصالحهم؟! بل، كيف للبعض أن يتحوّل إلى عائقٍ في لحظة يُفترض أن تتكاتف فيها الجهود لإنقاذ الجمهورية اليمنية؟!
مناشدة صريحة... ودعوة حازمة!
أضم صوتي إلى صوت الأخ الوزير المسؤول، وأؤكد أننا منذ ثلاث سنوات مضت ونحن نطالب بتوحيد الصف، ونحذّر من مغبّة التراخي، ونحثّ على التحرك الجاد لإنهاء الانقلاب واستعادة الدولة، دون أن نجد آذانًا صاغية أو استجابة تليق بحجم الخطر المحدق.
وعليه، فإن المطلوب اليوم – وبشكل عاجل – من الوزير الإرياني، ومن بقية العقلاء في قيادة الشرعية، أن يناشدوا بوضوح رعاة "المشاورات اليمنية – اليمنية" لإلزام كافة المكونات والتشكيلات المنضوية تحت الشرعية بتنفيذ روح "إعلان نقل السلطة" ومخرجات مشاورات الرياض.
وإن تعذّر ذلك، فلا بد من إطلاق يقظة جديدة، والدعوة إلى لقاء تشاوري وطني جديد يبحث جذور الإخفاق، ويعيد هيكلة الصف الوطني على أسس وطنية خالصة، ويستعيد الزخم الوطني بروح ذلك اليوم الذي أُعلن فيه نقل السلطة من قبل الرئيس عبدربه منصور هادي، والذي بموجبه فُوّضت كل صلاحياته لمجلس القيادة الرئاسي، وكُلِّف الأستاذ معمر الإرياني وزير الإعلام بإذاعة منطوق الإعلان بصوته أمام العالم.
ختامًا
أختتم بما ختم به الوزير رسالته بتحذيرٍ بالغ الصراحة والقوة، حين قال:
"إذا لم يتوحد الجميع الآن، فإن الشعب اليمني لن يغفر هذا التفريط التاريخي، وسيعتبر التخاذل في هذه اللحظة المصيرية خيانة للمسؤولية الوطنية!"
فهل بعد هذا الوضوح من عذر؟!
إذا كانت هذه الرسائل القوية تخرج من داخل السلطة الشرعية ذاتها، فكيف سيكون حال الشعب اليمني الذي أثقل كاهله الانتظار، وخذلته قياداته وداعموها لعقدٍ كامل، دون إنهاء الانقلاب، ودون نهاية تُبصر في نفق الأزمة؟!
فإما أن تكون الشرعية على قدر المرحلة...
أو تتخاذل وتترك الوطن لقوى الانهيار والتمزق والإرهاب.
-->