مشكلتنا أعمق من بن مبارك.. من يدير من؟

صفوان سلطان
السبت ، ٠٣ مايو ٢٠٢٥ الساعة ٠٢:٣٢ مساءً

 

في كل مرة يتصاعد فيها الغضب الشعبي أو يتزايد الضغط على الحكومة، تُطرح ذات الوصفة القديمة: تغيير رئيس الوزراء. من معين عبدالملك إلى الدكتور أحمد عوض بن مبارك، نبدل الواجهة ونترك جوهر الأزمة على حاله، وكأننا نحاول علاج ورم خبيث بتغيير الضماد.

 

الحقيقة التي يجب أن تقال بشجاعة أن مشكلتنا لا تكمن في شخص رئيس الوزراء، رغم أن لكل منهم ما له وما عليه. بل تكمن في جذر عميق متشعب، يتمثل في بنية حكومية منهكة، ووزراء يدينون بالولاء لأحزابهم ومكوناتهم السياسية أكثر من ولائهم للوطن. وزراء تتقدم عندهم مصلحة التنظيم على مصلحة الشعب، وحين يطلب منهم رئيس الحكومة تنفيذ برنامج وطني، يستحضرون حسابات الربح السياسي لا حسابات الإنقاذ الوطني.

 

نحن أمام حكومة بلا أهداف واضحة، بلا خطط عمل ملزمة، بلا مساءلة. رئيس الوزراء، أيًّا يكن اسمه، لن يستطيع التغيير ما لم يُلزم وزراءه بوضع خطط عملية مع وكلائهم وهيئاتهم، ومتابعتها بأدوات صارمة للمحاسبة والإنجاز. فالحكم ليس خطابات وشعارات، بل نتائج وملموسات.

 

المواطنون لم يعودوا يحلمون بكهرباء دائمة، بل أصبح أقصى طموحهم هو “ساعتين تشغيل مقابل أربع ساعات إطفاء”. التعليم لم يعد حقا مضمونا، فالعام الدراسي يُنحر بين الإضرابات وغياب الكادر، والأهالي يئنون تحت أعباء لا يقدرون عليها بدخل أسري لا يتجاوز غالبا خمسين دولارا شهريا. القطاع الصحي متهالك، الاتصالات في أسوأ حال، والإنترنت أشبه بذاكرة منسية من زمن بدائي.

 

هذه حكومة لم تعد قادرة حتى على دفع مرتبات موظفيها. أين تذهب إيرادات الدولة؟ بعضها لا يصل إلى البنك المركزي، بل يضيع في بنوك خاصة ومحلات صرافة، وبدلا من العمل على إعادة تصدير النفط أو تشغيل منشأة بلحاف، لجأنا إلى انتظار المنح والودائع.

 

هل أخطأ بن مبارك؟ ربما. فأسلوبه في الإدارة يبدو تصادميا أحيانا. لكنه ليس المشكلة الكاملة. المشكلة أننا لم نشكّل حكومة حرب، ولا حكومة إنقاذ، بل شكّلنا ما يمكن تسميته بـ “حكومة الإهمال والترف”، حكومة المحسوبية والفشل. وحتى مسمى “الحكومة” بات أكبر من حجم الأداء.

 

أما الفساد، فحدث ولا حرج. قضايا أحالها مجلس القيادة إلى هيئات مكافحة الفساد، وضج بها الإعلام لفترة قصيرة، ثم اختفت في الأدراج. لا أحد يعرف مصيرها، ولا أحد يجرؤ على السؤال وسط انشغال الناس بالبحث عن لقمة العيش، بينما لا تمثل القضايا التي أحيلت للنائب العام سوى نسبة ضئيلة من حجم ما يُعرف.

 

الخلاصة أن تغيير بن مبارك لن يكون الحل، إلا إذا ترافق مع إصلاح شامل لمنظومة الإدارة الحكومية، ووضع حد للولاءات الحزبية، ومواجهة الفساد بجدية، ووضع برنامج وطني تُحاسب عليه الحكومة بوضوح وشفافية. غير ذلك، سنظل نبدل الوجوه ونتوهم التغيير، فيما البلاد تغرق أكثر فأكثر.

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي