منذ العام 2016، واليمن غارقة في سلسلة لا تنتهي من التعديلات الحكومية، التي لم تكن يومًا اكثر من تدوير لذات الأسماء والعقليات، ضمن محاصصة سياسية غبية. فالحكومات المتعاقبة بُنيت على تفاهمات شكلية بين مكونات الشرعية، دون استناد الى مشروع وطني او رؤية واضحة تتجاوز حسابات النفوذ والمحسوبية.
ومع غياب المؤسسات التشريعية الفاعلة، وتآكل منظومة الرقابة والمساءلة، وجدت البلاد نفسها امام حكومات مترهلة، منشغلة بالصراعات الهامشية، فيما يتدهور الوضع المعيشي والاقتصادي والأمني للمواطن. ومع كل تغيير وزاري، كان اليمني يسمع وعودًا براقة بالإصلاح، لكنه لا يرى من نتائجها شيئًا على الأرض.
المشهد يتكرر: قريبا سوف نستمع الى خطاب إصلاحي، اداء هش، ومزيد من التدهور، بل إن بعض القوى تدفع اليوم باتجاه تعيين نواب وزراء ومساعدين، وكأن الوزارات غارقة في العمل والإنتاج، بينما تعاني اغلبها من الشلل والتسيب الإداري لان الأزمة لا تكمن في قلة المناصب، بل في غياب الكفاءة، وانعدام الرؤية الوطنية.
استقالة الدكتور احمد عوض بن مبارك من رئاسة الحكومة، لم تكن حدثًا مفاجئًا بل نتيجة طبيعية لمشهد سياسي مأزوم. حكومة بلا صلاحيات فعلية، وقرار مرتهن لأجندات إقليمية، وواقع يتسم بالانقسام والفوضى. ومع استقالته، يُطرح السؤال مجددًا: هل سيأتي البديل حاملًا مشروعًا وطنيًا حقيقيًا، ام اننا امام نسخة جديدة من مسلسل التدوير السياسي العقيم؟
ان ما تحتاجه البلاد اليوم ليس مجرد تغيير في الأشخاص بل ثورة في فلسفة الحكم، فاليمن بحاجة إلى كسر حلقة الفشل المزمن من خلال تشكيل حكومة تستند الى الكفاءة والانتماء للمشروع الوطني الجامع لا الى المحاصصة وتقاسم الغنائم. يحتاج الى حكومة تضع المواطن ومصلحته في صدارة أولوياتها، تعمل بمعايير الدولة لا حسابات النفوذ.
العام الحادي عشر للحرب يرخي بظلاله الثقيلة، والرهان على تجريب المجرب لم يعد مجديًا، اما من خجل!
المطلوب اليوم مواجهة الذات و وحدة الصف والعمل وفقا لمشروع وطني جامع، يعيد الاعتبار لفكرة الدولة، ويمنح اليمنيين املًا بأن التغيير ممكن، إذا توفرت الإرادة. غير ذلك، ستظل كل حكومة مجرد نسخة باهتة لما قبلها، وسيبقى المواطن ينتظر التغيير الذي لا يأتي، وستتضاعف سنون الانتظار للدولة التي نفتقدها.
-->