الإرهاب الفكري: السم الزعاف الذي يفتك بالعقول

لؤي العزعزي
الجمعة ، ٠٢ مايو ٢٠٢٥ الساعة ٠٩:٠٦ مساءً

قد يتبادر إلى الذهن صور العنف الجسدي عند ذكر الإرهاب، لكن ثمة نوع آخر أشد فتكًا وتأثيرًا على المجتمعات، غالبًا ما يُغفل عنه. إنه الإرهاب الفكري، الذي يشبه وباءً خبيثًا ينتشر بسرعة ويصعب احتواؤه.

على عكس الإرهاب الجسدي الذي يقتصر ضرره على أفراد أو فئات محدودة، يمكن للإرهاب الفكري أن يستهدف أمة بأكملها، أو عرقًا، أو قبيلة. كلمة عابرة، فتوى مغرضة، مقال مسموم، أو حكم جائر قد تشعل فتيل حرب مدمرة.

لا يمكن حصر أشكال الإرهاب الفكري في هذا المقام، ولكن سأضيء اليوم على جانب مهم منه، وربما أتبعه بأجزاء أخرى لاحقًا.

سلاح المرجعية المقدسة لإرهاب الفكر

يتجلى أحد أساليب الإرهاب الفكري في الاحتكام إلى سلطة مرجعية قاطعة لإسكات أي رأي مخالف. ففي خضم نقاش طبيعي، قد يلجأ البعض إلى الترهيب بالاستناد إلى جماعة دينية، أو كتاب مقدس، أو قانون دولي، أو مركز أبحاث، ليس كمرجع للاستشهاد، بل كسلطة لا تقبل النقاش، هدفها الوحيد هو إسكات الطرف الآخر.

تصوروا خلافًا حول قضية مستهلكة كـ "عذاب القبر". يصبح النقاش عبثيًا حين يصر المحاور على رأيه مستندًا إلى مرجعيات دينية تكفر كل من يخالفها، حتى لو كنت تنكر هذه الفكرة جملة وتفصيلاً.

يتجلى الإرهاب الفكري أيضًا في سطوة بعض العقول المتعصبة والمنغلقة على أفكارها، والتي تصل إلى حد تكفير أو تبرير قتل المخالفين. وكم من ضحايا سقطوا بسبب فتاوى تحريضية نابعة من مجرد الاختلاف في الرأي!

إننا بأمس الحاجة إلى ثقافة تقبل الآخر، وثقافة توازن، وإلى تبني "ميزان العدالة" و "منهج عقلاني للبحث عن الحقيقة". هذان الموضوعان سيكونان محور مقالاتي القادمة.

في سياق متصل، خضت بالأمس جلسة مثمرة للغاية، واتخذت قرارًا مع آخرين لتأسيس مركز أبحاث يهدف إلى نشر ثقافة التقبل والعقلانية، وتبني سياسة بحث موضوعي وعقلاني.

إن قضية الإرهاب الفكري عميقة وحساسة، وقد أعود إليها مرارًا. فكم من فلاسفة ومفكرين اغتيلوا بسبب أفكارهم! إن التعصب الفكري والتشدد الديني والالتزام العقائدي الأعمى هي بمثابة سرطان ينخر في جسد المجتمعات بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي