رئيس وزراء يستقيل.. والشارع يسأل: "من هو؟!"

لؤي العزعزي
الجمعة ، ٠٩ مايو ٢٠٢٥ الساعة ٠٦:٠٥ مساءً

 

في اليمن، حيث تتراقص الحكومات على حبال الاعترافات الدولية وتختفي في جيوب الفنادق الفاخرة، أعلن السيد أحمد عبيد بن مبارك قبل أيام استقالته. يا له من حدث جلل! لحظة فارقة في تاريخ أمة لا تعرف الفوارق. هل اهتزت الأرض؟ هل توقف الزمن؟ هل بكى أحد؟ لا، بل ربما تساءل اليمنيون ببلاهة ممزوجة بسخرية لاذعة: "أستقالة من؟ ومن هو هذا أصلًا؟".

 

دعونا نتخيل مشهدًا عبثيًا: فجأة، يختفي كامل مجلس القيادة الرئاسي، وعلى رأسه السيد رشاد العليمي، وحكومته "الرئاسية" الموقرة. هل سيلاحظ أحد هذا الغياب؟ هل سيفتقدهم أحد؟ هل ستُقام لهم جنازة شعبية؟ لا، بل ربما سيظن البعض أنهم ذهبوا في رحلة استجمام طويلة الأمد، أو ربما انضموا إلى قائمة المفقودين في سجلات النسيان اليمني.

اليمن اليوم، وغدًا، وقبل الأمس، لم يعد بحاجة إلى حكومات "افتراضية" تتغذى على فتات الاعترافات الدولية. المجتمع الدولي، كما نعلم، لا يتعامل إلا مع الكيانات التي تملك الأرض والقوة، لا مع تلك التي تملك الفنادق والاعترافات. الشرعية الحقيقية ليست مجرد ورقة مزخرفة، بل هي سلطة تُمارس على الأرض، لا في قاعات المؤتمرات.

شرعية الحكومة ليست بعدد الصور التذكارية مع السفراء، ولا بعدد التغريدات الدافئة، ولا بعدد الجوازات الدبلوماسية التي تحملها الحقائب المثقلة بالهواء. الشرعية الحقيقية هي سلطة راسخة، نفوذ حقيقي، حضور طاغٍ، وقرار نافذ. وحين يغيب كل ذلك عن الداخل اليمني المشتعل، تصبح "الشرعية" مجرد نكتة سمجة، أو شبح يتجول في أروقة الفنادق، يفقد قيمته تدريجيًا حتى في عيون من يمنحونه الاعتراف.

الواقع اليمني المرير يؤكد أن هؤلاء الذين يلوحون بصفة "الشرعية" ليسوا سوى كومبارس في مسرح العبث اليمني. الجميع يعلم كيف تدار هذه البلاد، ومن يمسك بخيوط اللعبة الحقيقية. هناك الحوثي في الشمال، سيد الأمر بقوة السلاح يعبث وينهب.. وهناك طارق صالح في الساحل الغربي، يبني إمبراطوريته بدعم إقليمي واضح. وهناك الإصلاح في مأرب وتعز، يكافح للبقاء في آخر معاقله. وهناك المجلس الانتقالي الجنوبي في الجنوب، يرسخ أقدامه كقوة أمر واقع لا يمكن تجاهلها.

هؤلاء هم اللاعبون الحقيقيون على رقعة الشطرنج اليمنية، شئنا أم أبينا. هم من يملكون الأرض، والسلطة، والقرار، والسلاح، والموارد. أما "الشرعية" المعلقة بين سماء الاعتراف وأرض الواقع المتصدع، فتبدو كآخر دمية في مسرحية هزلية طويلة الأمد. استقالة بن مبارك ليست سوى سقوط هذه الدمية، لتكشف عن فراغ هائل، وعن حقيقة مرة مفادها أن مسرح العبث اليمني مستمر، وأن العرض لم ينته بعد.

 

السؤال الذي يطاردنا جميعًا: متى سيتوقف العالم عن التصفيق لهذا العرض الهزلي، ويبدأ الحوار الجاد مع القوى التي تملك مفاتيح الحل والدمار على الأرض اليمنية؟ الإجابة وحدها قد تضيء نفق هذا البلد المظلم، أو ربما تزيد من ظلمته.

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي