بين الضربات الأمريكية وتدهور الريال في اليمن... إيران تتراجع، والحوثي يتهاوى، والشرعية مرتبكة!
في خضم الأحداث السياسية الملتبسة التي تشهدها المنطقة، وتحديدًا ما يتعلق بالصراع في اليمن، تتعدد الروايات وتتداخل الأدوار. فكل طرف يتخذ من المفاوضات ساحةً لتبادل الرسائل المشفَّرة ورسم التوجهات المستقبلية، في ظل غموض النتائج وغياب الحلول الحاسمة.
وفي هذا السياق، يبرز الدور المتزايد لسلطنة عُمان، التي باتت مركزًا رئيسيًا للقاءات بين الأمريكيين والإيرانيين. هناك تُناقَش القضايا العالقة، ومن ضمنها – على الأرجح – مستقبل جماعة الحوثي في اليمن.
أما العلاقة بين إيران والحوثيين، فقد أُثيرت حولها العديد من التساؤلات مؤخرًا، لا سيما مع تضارب التصريحات من كلا الطرفين. يُقال إن إيران أعادت تموضع بعض الأفراد في مناطق سيطرة الحوثيين، بل ذهب البعض إلى الزعم بأنها أمرت الموالين لها بمغادرة الأراضي اليمنية. ومع ذلك، لا يوجد حتى الآن دليل موثوق يشير إلى "تخلي" إيران عن الحوثيين، إلا بعض الإشارات الإعلامية.
ما تزال طهران تحتفظ بسفيرها في صنعاء، وهو عضو في الحرس الثوري الإيراني، يواصل تقديم المشورة والدعم. كما لا يزال فيلق القدس نشطًا في الأراضي اليمنية. ويُعدّ الجنرال عبد الرضا شهلائي، أحد أبرز قادة فيلق القدس، شخصية مؤثرة فيما يُسمى "المجلس الجهادي" التابع للحوثيين.
في المقابل، شهد الوضع العسكري على الأرض تحولًا لافتًا، إذ بدأت الولايات المتحدة، منذ منتصف الشهر الماضي، بتوجيه ضربات عسكرية مكثفة وغير مسبوقة ضد مواقع الحوثيين. هذه الضربات لا تأتي فقط كردٍّ على التصعيد الحوثي، بل تحمل رسائل سياسية واضحة: أولها إضعاف الحوثيين عسكريًا – ولذلك يُلاحظ اختفاؤهم وتهاويهم – وثانيها الضغط على إيران للعودة إلى طاولة المفاوضات، خصوصًا بشأن إبرام اتفاق نووي جديد – كما يطمح إليه الرئيس ترامب.
أمام هذه الضغوط، بدأت جماعة الحوثي في التهاوي. حالة من التخبط والإحباط الشديد تسود قيادات الجماعة، التي باتت تتعامل مع كل معارض أو منتقد على أنه "عميل" مرتبط بالمخابرات الأمريكية. ولذلك تسعى إلى إسكات كل صوت آخر من خلال تعميم مصطلح "مدري"، في محاولة لتفادي أي تصدعات داخلية قد تهدد بنيتها التنظيمية.
في المقابل، تُظهر إيران ازدواجية صارخة في مواقفها. فهي تُنكر علنًا أي نية للتفاوض المباشر، بينما يؤكد الوسطاء العُمانيون أن لقاءً جمع الوفد الإيراني بالوفد الأمريكي في مسقط. وتستمر طهران في التظاهر بأنها لا تتحكم في القرار الحوثي، بينما تتفاوض باسمهم عندما يحين وقت الحصاد السياسي. تدّعي أن أذرعها في "محور المقاومة" حرة في قرارها، ثم تتخلى عنهم تباعًا عندما تخدم مصالحها، لكنها – رغم ذلك – لن تحصد سوى الخيبة!
تظل تصرفات إيران غامضة ومُزعزعة لاستقرار المنطقة. ويُعد تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول انطلاق المفاوضات مع إيران دليلًا واضحًا على صدق واشنطن وغموض طهران، التي حاولت إخفاء اللقاء حتى فضحها ترامب، ما يعكس ارتباكًا في سياساتها الإقليمية. والعالم الليلة مترقّب لما سيقوله ترامب عن مفاوضات هذا اليوم في عُمان.
ورغم أن الحوثي يتهاوى أمام الضربات الأمريكية، فإن الأخطر هو ما تعانيه الشرعية اليمنية: مترددة، مرتبكة، وهي التي يُفترض بها أن تكون حامية للدولة ومؤسساتها. الشرعية تبدو وكأنها في سباتٍ عميق، تراقب ما يجري من بعيد، وتنتظر – على ما يبدو – أن يُبشّرها المارينز الأمريكي بسقوط صنعاء لتأتي لاستلامها. لقد تحوّلت استعادة العاصمة إلى رهان خارجي، بدلًا من أن تكون هدفًا وطنيًا تسعى إليه الحكومة الشرعية.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فالشرعية اليمنية تتعثر أمام تحديات داخلية خطيرة، أبرزها الانهيار المستمر للعملة الوطنية أمام الدولار الأمريكي، وعجزها الواضح عن كبح التدهور الاقتصادي. وبينما تزداد معاناة المواطن اليمني تحت وطأة الفقر وغلاء المعيشة، تكتفي الشرعية بخطابات إعلامية تُلوّح بالقوة والجاهزية، دون خطوات عملية ملموسة على أرض الواقع.
ورغم احتفاظها بالاعتراف الدولي، فإنها تترنح وتفقد سيطرتها الفعلية يومًا بعد يوم على الأرض، مما يُعمّق مشاعر الإحباط، ويُضعف الثقة الشعبية بالمؤسسات الحكومية.
من هنا، يصبح السؤال المحوري: كيف يمكن استغلال حالة التهاوي في صفوف الحوثيين لصالح استعادة الدولة؟ وكيف للشرعية أن تستعيد زمام المبادرة السياسية؟
ينبغي أن توضع خطة استراتيجية واضحة لإعادة بناء الثقة في الشرعية، وتعزيز مؤسسات الدولة، وتفعيل التنسيق مع القوى الوطنية الفاعلة، ومع الأطراف الإقليمية والدولية المهتمة بالملف اليمني.
لقد آن الأوان للاستفادة من هذه اللحظة الفارقة، لا لتكرار أخطاء الماضي أو انتظار المعجزات الخارجية، بل لتطوير استراتيجية يمنية خالصة تنهض بالدولة من جديد. يجب على الشرعية أن تتحرك فورًا في الميدان، وتستعيد ما يمكن استعادته من الأرض، بالتزامن مع العمل على إنعاش الاقتصاد، وتنظيم الصف الوطني، ووضع أسس دولة حديثة تقوم على العدالة والمواطنة المتساوية.
ختامًا...
يبقى الحل الحقيقي في اليمن بيد اليمنيين أنفسهم. الولايات المتحدة، رغم قوتها، لن تُنقذ اليمن، ولا إيران ستحقق له الاستقرار. الخلاص يكمن في بناء دولة وطنية قوية، تُعيد التماسك المجتمعي، وتقوي العملة الوطنية، وتُثبّت أركان السيادة.
الشرعية اليوم أمام مسؤولية تاريخية: فإما أن تكون على مستوى التحدي، أو أن تستمر في ارتباكها وتقديم التنازلات أمام الضغوط، فيخسر الجميع.
-->