صادف أن أقضي شهر رمضان هذا العام في القاهرة، حيث كان لهذا الشهر الفضيل جماله وخصوصيته، فالفرح في القاهرة يمتزج بالروحانية بدءًا من موائد الرحمن التي تجمع الغريب والقريب وصولًا إلى مشهد المساجد التي تمتلئ بالمصلين في التراويح والقيام والاعتكاف بما فيها حالة الألفة التي تسود الشوارع و طقوس السحور في الازقة والمقاهي، جميعها تضيف لهذا الشهر بُعدًا روحيًا و إنسانيًا عميقًا.
وحين أقبل عيد الفطر، بدا المشهد في القاهرة وفي سائر المدن والمحافظات أكثر ألقًا. القاهرة في صباح العيد لا تشبه أي مدينة أخرى؛ الشوارع تنبض بالحياة وتعلو أصوات التكبير ممتزجة بضحكات الأطفال فيما تزين الأرصفة بوجوه تفيض سعادة وكأن المدينة بأكملها تحتفل.
مع أول خيوط الشمس، غصّت الساحات والمساجد الكبرى بالمصلين رجالًا ونساءً وأطفالًا في مشهد من التآلف والتراحم. ميدان مصطفى محمود، ساحة الأزهر، وحتى الحارات الشعبية، كلها تحولت إلى مساحات تحتضن الفرح حيث يتبادل الجيران والأصدقاء التهاني ويتشارك الجميع لحظات من البهجة التي لا تُشترى والأطفال بملابسهم الزاهية يضيفون بريقًا للمشهد يركضون بين المصلين يلوّحون ببالوناتهم وتكسو وجوههم ابتسامات صادقة.
لكن بعيدًا عن القاهرة وعلى بعد آلاف الكيلومترات، هناك في اليمن، يحل العيد بطعم آخر، بطعم الفقدان والمعاناة.
في صنعاء وعدن وتعز ومأرب لا يزدان العيد بنفس الفرح، ولا تمتلئ الساحات بروح الاحتفال كما هو الحال في المدن الآمنة.
بدلاً من ضحكات الأطفال، هناك وجوه صغيرة تحمل همومًا أكبر من سنها وذكريات مؤلمة عن آباء فقدوهم في الحرب وأسر اضطرت للنزوح تاركة خلفها منازلها وذكرياتها.
العيد في اليمن بات مناسبة لتذكر الغائبين أكثر من الاحتفاء بالحاضرين، مناسبة يحاول فيها الناس جاهدين رسم الابتسامة رغم الجراح، هناك أطفال يرتدون ملابس جديدة لكن كثيرين آخرين لم يعيشوا فرحة العيد كما يجب ولم يجدوا حتى وجبة كاملة تشبع جوعهم.
بينما تعيش القاهرة عيدها بفرحها الكامل، تعيش اليمن فرحة مشروخة، فرحة تحاول أن تصمد وسط الدمار.
العيد في اليمن، الذي يفترض أن يكون عنوانًا للسلام، بات لدى الكثير من اليمنيين مجرد يوم آخر في سلسلة الأيام القاسية التي تمر بهم ومع ذلك تظل القلوب متمسكة بالأمل تنتظر عيدًا حقيقيًا، عيدًا لا تحجبه أصوات المدافع ولا تقيده المآسي.
-->