يُعد الفساد اليوم أحد أخطر التحديات التي تواجه اليمن، حيث تسلل إلى كافة مفاصل الدولة مهددًا بانهيار مؤسساتها، معطِّلاً التنمية، ومفاقماً معاناة المواطنين في ظل نظام سياسي يتغذى عليه خاصة بعد أن أصبح له منظومة متكاملة تحميه عبر شبكات المصالح والنفوذ، مما يجعل مكافحته مستحيلة دون إرادة سياسية حقيقية تمثل حجر الزاوية لأي جهود إصلاحية.
و رغم تصاعد الحديث إعلاميًا وسياسيًا عن قضايا الفساد وتناول عددا من ملفاتها إلا أن الأمر غالبًا لا يتجاوز حدود الجدل العابر ما يكرس ثقافة الإفلات من العقاب ومن بين أبرز تلك الملفات التي تكشف حجم الفساد المستشري:
1. فضيحة البنك المركزي اليمني (2021): تقرير أممي كشف عن تلاعب مسؤولين بمبلغ 423 مليون دولار من الوديعة السعودية عبر منحها لتجار موالين للحكومة بأسعار صرف تفضيلية دون تحقيق أي فائدة اقتصادية ورغم الضجة الإعلامية لم يُحاسب أي مسؤول حتى الآن وهناك ودائع اخرى لا نعلم عن تصريفها شيئا.
2. ملف إعادة الإعمار: فقد تم تخصيص ميزانيات ضخمة لإصلاح البنية التحتية إلا أن جزءًا كبيرًا منها اختفى بسبب الفساد ولم نلمس اي نتائج مرضيةوسط غياب أي رقابة فعالة.
3. أزمة الكهرباء والغاز: بالرغم من إنفاق المليارات لا تزال الخدمات في تدهور مستمر بينما تُوقَّع عقود مشبوهة لا تحقق أي تحسن ما يثير تساؤلات حول مصير هذه الأموال.
4. ملف تضخم العملة وتردي الوضع الاقتصادي والخدمي
لعل السؤال المهم هنا: لماذا يفشل اليمن في مكافحة الفساد؟ و الإجابة عليه تكمن في غياب الإرادة السياسية إذ أصبح الفساد منظومة متجذرة تحظى بحماية رسمية في ظل:
1. الانتقائية في المحاسبة حيث يُحاسب صغار الموظفين بينما يبقى المتنفذون بعيدين عن المساءلة.
2. إضعاف دور الهيئات الرقابية التي تفتقر إلى الاستقلالية والموارد لممارسة مهامها.
3. التأثير على القضاء عبر ضغوط سياسية تحدّ من قدرته على محاسبة الفاسدين.
في الواقع ان مكافحة الفساد تتطلب إصلاحات جذرية وحقيقية منها:
▪️فرض رقابة صارمة على ثروات المسؤولين عبر آلية مستقلة لمراقبة ممتلكاتهم قبل وبعد تولي المناصب.
▪️إعادة هيكلة الهيئات الرقابية ومنحها استقلالية حقيقية بعيدًا عن أي تدخل سياسي.
▪️ضمان استقلال القضاء ليتمكن من محاسبة الفاسدين دون مساومات.
▪️حماية الصحفيين وحرية الإعلام وحماية الناشطين السياسين وفي منظمات المجتمع المدني لضمان كشف الفساد دون خوف من الانتقام.
▪️تفكيك شبكات المصالح التي تحمي الفاسدين داخل أجهزة الدولة.
▪️الضغط الشعبي والدولي لانه ورقة ضغط مهمة للمطالبة المستمرة بالشفافية والمساءلة، ولايمكن تحقيق إصلاح حقيقي دون ذلك، فكلما زادت الرقابة الشعبية، ضاقت المساحات أمام الفاسدين للإفلات من العقاب. كما أن العقوبات الدولية يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في كبح الفساد عبر استهداف المتورطين في نهب الأموال العامة وحرمانهم من الاستفادة من الأصول المالية الدولية.
ان غياب الإرادة السياسية والردع الحقيقي يمنح الفساد مساحة للاستمرار والتوحش بينما تبقى المحاسبة مقتصرة على المستويات الدنيا دون الاقتراب من المتنفذين الحقيقيين واجتثاثه من جذوره يتطلب التزامًا سياسيًا واضحًا لا مجرد وعود جوفاء تتبخر في دوامة المصالح الضيقة.
-->