اليمن بين تفكيكين: شمال الخارج وجنوب الداخل

د. فائزة عبدالرقيب
الاربعاء ، ١٦ ابريل ٢٠٢٥ الساعة ١٠:٤٠ مساءً

 

لا شك أن انقلاب الحوثيين في عام 2014 شكّل نقطة التحول الأخطر في تاريخ اليمن الحديث، ادخل البلاد في مسار تفكك شامل، و ما يثير القلق اليوم هو أن هذا التفكك لم يعد يأتي من الخارج فحسب بل بات له وجهان: شمال تُفككه الميليشيات وجنوب يُفككه الانقسام الذاتي.

 

في الشمال، الحوثي ليس مجرد ميليشيا مسلحة بل مشروع سلطوي مؤدلج يحكم بقوة السلاح ويرفض اي شراكة حقيقية وبالتالي فان هذا المشروع يهدد اليمن بأكمله بالتفكك السياسي والاجتماعي ويحوّل الشمال إلى جغرافيا مغلقة تُدار بعقلية جماعة لا دولة وبهذا المعنى، فإن الانقلاب الحوثي يُفكك اليمن من "الخارج السياسي" بدعم إيراني مباشر، اي من خارج منظومة الدولة والدستور والتوافق الوطني.

 

في المقابل، الجنوب – الذي كان يُفترض أن يكون نموذجًا للاستقرار واستعادة الدولة – بات مهددًا من الداخل حيث نشهد الكيانات تتناسل والمكونات تتصارع على التمثيل والانقسامات المناطقية تطغى على أي مشروع وطني جامع.

ومما يُؤسف له أن بعض القوى الجنوبية تمارس نفس الإقصاء الذي كانت تُدين به الخصم في الشمال، لماذا؟

 

المفارقة هنا، أن ما دمّر الشمال سياسيًا هو الانقلاب على الدولة، بينما ما يهدد الجنوب اليوم هو الانقسام داخل فكرة الدولة ذاتها.  

الخطر الحقيقي هنا، يكمن بأن يستمر كل طرف في إنكار ما يتهدده، فالحوثي يعتقد أنه يدير دولة وهو في الحقيقة يدير فقاعة سلطوية معزولة وبعض الجنوبيين يظنون أن تعدد الكيانات يعني تمثيلًا اوسع، بينما هو في الحقيقة طريق لتفكيك الجنوب.

 

مهما اختلفت الرؤى حول شكل الدولة ومهما تغيرت معادلات الإقليم فإن وحدة المشروع الوطني تبقى اهم من تعدد اليافطات السياسية، والشراكة تظل أسمى من الغلبة الضعيفة وبالتالي فإن اليمن كله سيتحول الى خرائط مقطعة، لا تسويات تنقذه ولا خريطة تعيد لحمته والبداية ستكون من الجنوب.

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي