نلقي باللوم على غيرنا!!!!!

برفيسور: أيوب الحمادي
الأحد ، ١٦ مارس ٢٠٢٥ الساعة ٠١:٠٠ صباحاً

 

 

كلام الأخ الأستاذ الرويشان هنا لا أتفق معه؛ لأنه في رأيي بعيد عن جوهر تشخيص المشكلة. وعلى العكس، أجد كلام الأخ السعودي أكثر دقة وواقعية. فالكارثة الحقيقية ليست في قلة الدعم الخارجي لنا في اليمن، بل في الإدارة السيئة والفساد المستشري الذي دمر مقدرات اليمن على مدى عقود طويلة، وليس فقط في زمن الحرب.

 

فالمملكة العربية السعودية من باب ذكرها هنا قدّمت لليمن مساعدات مختلفة تجاوزت 28 مليار دولار خلال العشر سنوات الأخيرة فقط. بالإضافة إلى ذلك، هناك ما لا يقل عن مليونَيْ يمني يعملون في المملكة ويوفرون دعماً اقتصادياً كبيراً لليمن عبر تحويلاتهم المالية. ومع كل هذا الدعم السخي الذي قدمته المملكة على مدى عقود، لم ننجح حتى الآن في بناء مشروع واحد مستدام للأجيال القادمة ولم تجد المنطقة قيادة يمنية حقيقية ذات مشروع. فهل يحق لنا أن نلقي باللوم على الآخرين بسبب فشلنا؟

 

يذكرني هنا خطاب الرئيس هادي عندما قال لإحدى وسائل الإعلام إنه يريد دولة لتوفير الكهرباء، وأخرى للمياه، وثالثة للصحة، وهكذا! بمعنى آخر، كان يتحدث وكأن الدول الأخرى خلفتنا ونست على قولتنا وعليها أن تبني اليمن بدلاً منا بينما نحن نكتفي بالتفرج والفسح ومجالس القات والهدرة. هذا الخطاب كان بالنسبة لي كيمني قاتلاً ومُذِلّاً، لأنه يعكس صورة قيادات اليمن ويسوق الشعب ليس كما هو أو كما نريده . يظهر مجتمع لا يريد أن يبذل جهداً، ويتطلع إلى دولة متطورة تُقدَّم له على طبق من ذهب، بينما هو مشغول بجلسات القات والثرثرة. وهنا أجد كلام الأخ السعودي صحيح أننا ننتظر يعملوا لنا دولة ونحن علينا فقط الفشخرة .

 

وأزيدك من الشعر بيتاً أن دعم اليمن ليس قليل ومن عقود، ففي مؤتمر المانحين عام 2012 الخاص باليمن، كانت هناك في صندوق المانحين تعهدات بأكثر من 8 مليارات دولار و350 مليون دولار حتى العام 2014، لكننا لم نستطع استيعاب هذه الأموال أو تنفيذ مشاريع حقيقية بها. لم نستغل سوى 27% منها فقط لبناء طرق ذات جودة سيئة تلاشت بعد موسم الأمطار. بمعنى حتى اتقان العمل لم ننجح به في أمور كان لابد أن تكن فرصة لبناء مشاريع للاجيال. إذاً، من هو الفاشل هنا؟ نحن كقيادات يمنية أم الآخرون ولماذا نلقي باللوم على غيرنا؟ 

 

واذا عرجنا هنا أيضا على مرحلة ما قبل الربيع العربي، فقد كانت اليمن تتلقى دعماً كبيراً من دول الخليج مثل المملكة العربية السعودية والإمارات وقطر وغيرها، لكن لم نجد أثر غير بناء الفلل والقصور لمن كان في السلطة والشيوخ وغيره. العالم وقتها كان لديه الرغبة والقدرة لدعم اليمن حتى لا تكن دولة فاشلة من بوابة مكافحة الارهاب، لكن القيادات اليمنية كانت "فاشلة جينينا" ومنغمسة في الفساد منذ عقود، ولم تفهم متطلبات الانتقال بالمجتمع إلى هذه الالفية.

 

ويكفي أن نعود قليل إلى أيام النظام السابق، وأذكر هنا برنامج الرئيس السابق مع حزبه وحكومته وكوادره في الانتخابات الأخيرة، حيث لم ينجح في تحقيق أي من الوعود التي أطلقها برغم الدعم الخارجي من مؤتمر مانحين لندن، لأنها مجرد هدرة وليس مشروع دولة حقيقية وتنمي. دولة انهارت مثل الورق. وعلى سبيل المثال، تحدث عن الطاقة النووية وصفق له كل حكومته، والكل يعلم أننا بلد لا يملك البنية التحتية لذلك، ونحتاج لعقد من الزمن بوجود المال الوفى لذلك، وتطرق في خططه الانتخابية إلى البطالة وقال إنها ستُحل بشكل كامل خلال ثلاث سنوات، وهو لا يدرك تماماً أن حل هذه المشكلة يتطلب إمكانيات ضخمة وسنوات طويلة من العمل الجاد وقواعد انتاج وصناعة واستثمار، ولايوجد أي عاقل يقول أنه يمتلك طلاسم سحرية. ولم يكن هناك شخص واحد في دولته يقول له بصراحة "هذا الكلام غير منطقي في بلد لا ينتج ولا يعمل ويفيض بالفساد والمحسوبية". لم يوجد عاقل يقول له نحن بلد بدون مشروع وبدون مؤشىرات وسوف تتفجر برغم أن التقارير الخارجية كانت تقول ذلك.

 

 وكما نعرف في بداية الثمانيات جاء رجلين إلى قمة هرم السلطة في بلديهما، أحدهم عمل في مشروع دولة حقيقية بوجود فريق عمل مؤهل، ونقل مجتمعه من المجتمع الزراعي الفقير إلى الصناعي الغني وصارت دولته اليوم في المقدمة بين الأمم تنافس وتنمو. والثاني وجد بلد جاهز يتم دعمها بشكل مستمر، ولها دعم خليجي لايتوقف، وموقع ليس له مثيل ومغترب داعم كمنجم عملة صعبة مستمر، واقتصاد مستقر ، بموجب ذلك كان هذا البلد هو أفضل من الدولة الأولى في الطرح هنا، ومع نهاية حكمه انتهت البلد إلى الصراع والتمزق وكارثة المجاعة ولعقود قادمة. الاولى كانت ماليزيا والثانية اليمن . الأولى كان فيها قيادات عرفوا طريقهم والثانية قيادات اضاعوا بلدهم. ومختصر الموضوع اليمن اضاع فرص عدة لينطلق، وفي كل الفرص العديدة كانت القيادات اليمنية هم الكارثة وحتى المنجز الوحيد وهو الوحدة صارت في خطر وتتمزق.

 

وبالتالي، فإن المسؤولية الكاملة لما آلت إليه اليمن تقع على عاتق القيادات اليمنية أولا واخيرا، وليس الخارج حتى وأن كان لهم اهداف لاتتوافق معنا، ويريدون يتوسعون على حسابنا، لأن ذلك من تدافع البشر والهيمنة فلا يوجد بين الدول ملائكة وأنما سيطرة او شراكة، شقاة واتباع باليومية أو شركاء أصحاب مشروع، ونحن نختار.

 

 اليوم أنا على قناعة بأن الفشل في اليمن ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل هو جزء من "جينات" النظام السياسي والإداري لدينا. لذلك، أتفق مع الأخ السعودي بكلمته وتفصيل سياقه ان الفشل في اليمن هو فشل في القيادة والإدارة والمشاريع، وأننا نريد دولة على طبق من ذهب. وهذا، للأسف، هو قدرنا حتى تتغير عقلية القيادات والشعب نحو ثقافة العمل والإنتاج والتدافع الشريف إلى مفاصل الدولة. فعندما نجد قيادات يمنية ذات رؤية ومشروع وطني حقيقي، كما فعل ثوار فيتنام، سنجد الدعم من المغتربين اليمنيين أكبر بكثير من دول الجوار، التي وقتها لن تقصر أيضاً.

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي