مقدمة توضيحية.
١- من يرى ويستمع لمعزوفة موسيقية، تطربه أنغامها المتكاملة والمتناسقة، وهذا العزف الموسيقي الرائع، الخالي من التضاد والنشاز، يقوم به فريق من العازفين، متعدد المهام، والتخصصات، والألات، تجمعهم نوتة موسيقية واحدة، ويقودهم مايسترو "قائد" واحد، النوتة تحدد لكل عازف وألته، مشاركته توقيتاً ومدة ونغماً، والقائد يوجه كل عازف بألته للعزف وفق النوتة المكتوبة، فيقدم الجميع مقطوعة موسيقية، تُطْرِبُ الأسماع وتسحر العقول، لا نشاز فيها ولا تضارب.
٢- الكفاءة لأي شخص تعني المعرفة والمهارة والسلوك، والمستوى التعليمي، وهي ما يميز هذا الشخص، لشغل الوظيفة المناطة به، على نحو يمكنه من تحقيق واجباتها ومهامها وأنشطتها، وضمان تحمل مسؤولياتها.
٣-الدول والحكومات لا تقام بمشاريع عصبيات متفرقة، بل بمشروع وطني جامع، ولا تقام برجال لا يعرفون واجبهم الوطني والوظيفي، أو بمن يقدمون مصالحهم، ومصالح أحزابهم ومكوناتهم، على مصلحة وطنهم، بل تقام برجال يؤمنون بوطنهم وشرعيته ومشروعه، ويقدسون واجبهم ووظائفهم، ومخلصون لشعوبهم.
والمتدبر لكتاب دين الله، يجد أن دين الله الحق،ليس ديناً للعبادة فقط كما يظن البعض خطأ، بل هو أيضاً نظام للحياة، والاستخلاف، والتعارف، وإعمار الأرض، وفق تعاليمه الكاملة والمتكاملة، التي تربط بتناغم وتكامل وتسخير، كل خلق الله ومخلوقاته، من الوجود الإنساني، والمادي، والحيواني، والنباتي، وغيرها من عوالم، في نظام واحد، حدد الله به كيفية التعايش بين خلقه ومخلوقاته، وفق موازينه الموضوعة، وحين تتم مخالفة دين الله، بنظامه وموازينه العبادية والحياتية، تعيش الإنسانية حياة الضنك والفرقة والضياع، فتكون خسارة الدين والدنيا والآخرة.
إن دور الدول والحكومات
ببساطة، يشبه دور الفرقة الموسيقية، لكنها تعزف لحن بناء الدولة بالمحافظة على أمنها، وتنميتها، ونهضتها، ورخاء شعبها، وهو دور يقوم لتحقيق هدفين الأول: على مستوى الوطن والدولة.
والثاني: على مستوى الناس.
فعلى مستوى الوطن والدولة، يكون دور الحكومة العمل على حماية الدولة، وسيادتها، وأمنها، واستقلالها، والحفاظ على أنظمتها وثرواتها، وتنفيذ دستورها وقوانينها، وتنفيذ الخطط الموضوعة للنهضة والتنمية والاستقرار، وتحقيق التناغم والعمل كفريق واحد، لحكومة هي جزء من سلطة تنفيذية، ضمن سلطات الدولة المختلفة، والتي تعمل جميعها لتحقيق هذا الهدف.
أما على مستوى الناس فهي تعمل على تحقيق الكرامة الإنسانية، والعيش الكريم للناس، وتحقيق الأمن والاستقرار بمختلف المسميات.
وعندما نبحث عن تحقيق هذه الأهداف على مستوى الدولة والناس لحكومتنا، لا نجد لها أولوية، ولا مكانة، فهي مستبدلة بأهداف خاصة، تعكس إما مصلحة شخصية، أو مصلحة لمشاريع خاصة، لصالح عصبيات الأحزاب والمكونات، فما نعيشه على مستوى الدولة، هو عدم التزام كامل بالثوابت والمرجعيات الوطنية-المتفق عليها وطنياً وإقليمياً ودولياً- والمشروع الوطني الجامع لإسقاط الإمامة، والمدعوم من تحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة الشقيقة، وقرارات الشرعية الدولية، كما لا نجد احتراماً للتسلسل الهرمي للسلطات، والتعاون فيما بينها، وما نجده في الغالب الأعم، تصارع مصالح، لدويلات داخل الدولة، فكل دولة تمثل حزبها ومكونها السياسي، تعزف ألحانه، وتنفذ مشاريعه، فغابت لذلك نوتة اللحن الوطني الجامع، وغاب معها المشروع الوطني، وهذه هي مشكلة اليمن الأساسية.
وهذا الوضع عكس نفسه على مستوى الدولة بغياب فاعلية الحكومة، وعلى الناس، بغياب الخدمات.
ومع ذلك ضاعت الكرامة الوطنية، ومعها العيش الكريم، وضاعت الهوية الوطنية الجامعة، وضاع الأمن، ومعه الأخوة الإيمانية والوطنية والإنسانية، ووجد المواطنون أن من يحكمهم مشاريع المكونات والأحزاب، لا مشروع الجمهورية وشرعيتها.
وبهكذا وضع، على مستوى الدولة والناس، أخرجت المحاصصة السياسية دور الحكومة، من العمل في اطار خدمة الدولة بشرعيتها ومشروعها، وخدمة الناس.
المحاصصة ببعدها السياسي التقاسمي، الساعي لتحقيق المكاسب لمشاريع لأحزاب والمكونات والأشخاص، نكبة وتعطيل لعمل مؤسسات الدولة، وخروج عن المسار الوطني، كما أن المحاصصة في واقع متخلف وغياب للدولة نقمة، لكنها واقعنا اليوم، ويجب تحويلها لنعمة، إذا وعت قيادات الأحزاب والمكونات، المنعطف الخطير الذي تمر به بلادنا، وجعلت من اليمن بشرعيته ومشروعه وتحالفه هدفها الأساسي والوحيد، الذي تعمل له، وتؤجل صراعاتها السياسية لحين استكمال استعادة كامل تراب الدولة من الإرهاب الإمامي.
وهذا مطلوب ويحتاج أمرين:
الاول:
تنفيذ كل الاتفاقيات التي وقعت عليها والتزمت بها الحكومة ومعها الأحزاب والمكونات من اتفاقية مجلس التعاون الخليجي حتى مشاورات الرياض وإعلان تسليم السلطة، للخروج من متاهة المشاريع المتصارعة للأحزاب والمكونات.
الثاني:
في ضل الخطر المحدق بالدولة اليمنية، يجب تحويل المحاصصة التنافسية السلبية، لمحاصصة إيجابية، تخدم مشروع بناء الدولة وإسقاط الانقلاب وتحقيق رفاه وخدمة المواطنين، وتأجيل صراع المشاريع السياسية، لحين استعادة كامل تراب الجمهورية، من براثن الإمامة، وذلك من خلال تقديم الأحزاب والمكونات في ترشيحاتها للحكومة، أنزه واكْفَاء عناصرها، وتعمل هي على مراقبتهم، ومحاسبتهم، وتسحب عناصرها الفاسدة أو غير القادرة، أو التي تعمل لمشاريع خاصة.
وعليه لا مناص بنظري، للخروج من هذا الوضع المأساوي، المتمثل بالمحاصصة السياسية ومشاريعها، غير التحول للمحاصصة التنافسية التي تجعل أولويتها وخيارها الوحيد، هو اليمن بشرعيته، ومشروعه، وإسقاط الإمامة، وتقدم ذلك على كافة مشاريعها، فاللحظة التاريخية التي يعيشها اليمن لا مجال فيها للتنافس السياسي، فهو إن استمر لن يجد المتنافسون وطن يتنافسون فيه.
ختام القول نحن نعيش زمن نجد أن من يستطيع لا يرى ومن يرى لا يستطيع.
جمعتكم خروج من المشاريع الخاصة، لمشروع اليمن، بشرعيته، ومشروعه، وتحالفه، وخروج من محاصصة الفيد والغنم، لمحاصصة العطاء والغرم.
د عبده سعيد المغلس
٧-٣-٢٠٢٥
-->