في الرياض: اجتماع القيادة والتشاور وقادة الأحزاب... سلامٌ مرتقب أم انطلاقة المعركة المؤجَّلة؟
عُقد في العاصمة السعودية الرياض، اليوم، اجتماعٌ مهم جمع فخامة رئيس مجلس القيادة الرئاسي، بحضور مدير مكتب رئاسة الجمهورية، الدكتور يحيى محمد الشعبي، مع رئاسة هيئة التشاور والمصالحة، وأمناء الأحزاب والمكونات السياسية المنضوية في الهيئة.
يُعدّ هذا اللقاء محطة محورية لرسم معالم المرحلة القادمة، في ظل تعقّد المشهد اليمني إقليميًا ودوليًا، وتزايد الضغوط لاتخاذ مواقف حاسمة تجاه مساري الحرب والسلام.
ما ورد عن الاجتماع
ما رشح عن الاجتماع لا يُعبّر بالضرورة عن كل ما دار فيه، وقد تكشف الأيام القادمة ما هو أعمق.
ومع ذلك، فإن ما أُعلن شمل مناقشة مستجدات الأوضاع المحلية، والمتغيرات الإقليمية والدولية، وبحث الجهود اللازمة لإحداث تحوّل استراتيجي في مسار المعركة الوجودية لاستعادة الدولة وإنهاء المعاناة الإنسانية، لا سيما تلك التي فاقمتها هجمات الميليشيا الحوثية على المنشآت النفطية وسفن الشحن.
وقد تم التأكيد خلال اللقاء، من قبل الأخ الرئيس، على أن هيئة التشاور وأمناء الأحزاب يمثلون الرافعة السياسية لمجلس القيادة الرئاسي والتحالف الجمهوري، وصمّام أمان في مواجهة المشروع الإمامي السلالي. كما أبلغهم بالتحوّل الإيجابي في موقف المجتمع الدولي، الذي بات يرى في الحكومة الشرعية شريكًا موثوقًا في مواجهة الإرهاب، مقابل تصنيف الحوثيين كخطر دائم على الأمن والسلم الدوليين.
الرئيس نفسه تحدث بلغةٍ واضحة تعكس جهوزية عالية للقوات المسلحة والأمن، وصرّح بما يشير إلى أن ساعة الحسم قد اقتربت، في ما يمكن اعتباره إيذانًا بانطلاق المعركة المؤجَّلة. فتصريحاته الأخيرة تعزز الانطباع بأن الدولة قد انتقلت من مرحلة الدفاع إلى الاستعداد للهجوم، وهو ما يشير إلى أننا أمام تحوّل استراتيجي حقيقي، لا مجرد ورقة ضغط تُستخدم لتحسين شروط التفاوض.
ملاحظات نقدية على الاجتماع
رغم أهمية الاجتماع، إلا أنه كان يفضل الاجتماع بحضور بقية أعضاء مجلس القيادة الرئاسي وبعض الفاعلين السياسيين، فالغياب يثير تساؤلات، ما لم يكن الهدف من اللقاء هو الاستئناس بآرائهم، على أن تُتخذ القرارات لاحقًا من قبل المجلس بكامل أعضائه.
كما نأمل ألا يُفهم من تصاعد دور هيئة التشاور والمصالحة أنها تُهيّأ لتحل محل مؤسسات دستورية تم تعطيلها، كالمجلسين النيابي والشورى، أو الهيئة الوطنية للرقابة على تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، وهيئة رئاسة مؤتمر الحوار الوطني.
إلا أن هذا اللغط يمكن ايضًا دحضه بالرجوع إلى المادة الثانية من إعلان نقل السلطة الصادر عن الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، والتي تنص على:
(أ): تنشأ هيئة تضم مختلف المكونات لدعم مجلس القيادة الرئاسي، والعمل على توحيد القوى الوطنية، وتهيئة الظروف لوقف الاقتتال والصراعات، والتوصل إلى سلام شامل.
(ب): تعمل الهيئة على توحيد رؤى وأهداف القوى الوطنية، بما يسهم في استعادة الدولة وترسيخ انتماء اليمن لحاضنته العربية.
هذه المهام قد تُرجّح أن الاجتماع له علاقة بتسوية قريبة جدًا...
علامات الاستفهام... معركة أم سلام؟
يبدو لي شخصيًا أن الاجتماع يسعى لإضفاء غطاء سياسي على خارطة الطريق السعودية-الأممية، التي يُعتقد أنها أُعيد تحريكها بفعل الضربات الأمريكية القاصمة، وضغوط التفاهمات الأمريكية-الإيرانية، وزيارة وزير الدفاع السعودي الأخيرة لطهران ولقائه بالمرشد الإيراني، فضلًا عن اللقاءات التي جمعت السفير السعودي مع رئاسة الهيئة وأمناء الأحزاب والمكونات السياسية. وفي ذات الاتجاه، أكد فخامة الرئيس للمجتمعين، ونشر ذلك عبر صفحته على فيسبوك، انفتاح مجلس القيادة على جميع المبادرات الواقعية لإدارة المتغيرات بما يخدم مشروع الدولة ويحقق تطلعات المواطنين.
لكن في المقابل، فقد أكد الأخ الرئيس مرارًا على الجهوزية، وإشارته إلى معركة "الخلاص"، تفتح الباب أمام احتمال آخر: أن الاجتماع تحضير وتهيئة فعلية لانطلاق عملية عسكرية واسعة ضد الحوثيين، خاصة مع تراكم الإخفاقات في المسار السياسي، وعدم التزام الحوثي بما سبق أن وافق عليه.
الاختبار الحقيقي
تنبيه مهم هنا... إن الاختبار الجوهري لجدية أي مسار سلام هو قدرة الحكومة على استئناف تصدير النفط والغاز دون ابتزاز أو منع حوثي، وتنفيذ التفاهمات المتعلقة برواتب الموظفين.
فإن لم يلتزم الحوثي بذلك، فإن أي توقيع على خارطة سلام سيكون عديم القيمة، بل مدعاة للريبة في نوايا من يُمرّرها.
مقترح عملي لإنجاح المسار التشاوري
لإنجاح أي مسار سياسي أو حسم عسكري، لا بد من اجتماع عاجل لأعضاء مجلس القيادة الرئاسي بعد عودة رئيسه إلى العاصمة المؤقتة عدن. ويتوجب عليهم التحضير لانعقاد جلسة مجلس النواب، واستدعاء الحكومة للمساءلة، وتقديم موازنتها ورؤيتها لإنعاش الاقتصاد، وإصلاح السياسة المالية والنقدية بشكل مزمن.
كما ينبغي عدم إغفال الدعوة إلى اجتماع الهيئة الوطنية للرقابة على تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، وهيئة رئاسة مؤتمر الحوار الوطني، للمراجعة والتعديل بما يتناسب مع المستجدات، وتفادي التعارض في المهام والصلاحيات بين المؤسسات القائمة والجديدة، مع اقتراح آلية فعالة للمتابعة والرقابة على التنفيذ في ظل الوضع الراهن.
هذه الخطوات ستكون بمثابة اختبار جدي لمصداقية القيادة والتحالف السياسي، وفرصة حقيقية لتعزيز المسار الوطني الجامع.
خاتمة تحليلية
من اجتمعوا في الرياض، إما أنهم حملة راية سلام حقيقي يعيد الاعتبار للدولة والمواطن، وقد حققوا اختراقات جدية في هذا الاتجاه، أو أنهم سيكونون - لا قدّر الله - شهود زور على تمرير صفقات تضر بالقضية اليمنية، وتخدم مصالح إقليمية ودولية على حساب السيادة والاستقلال.
نأمل أن تكون حرارة الضغط الأمريكي قد وصلت إلى جحور الحوثيين، وأن يدفعهم ذلك إلى السلام، لا طوعًا بل كرهًا، بما يفضي إلى استعادة الدولة، وتحقيق انفراجة شاملة تبدأ من العاصمة الاقتصادية عدن، وتمتد لتشمل كل ربوع اليمن.
وإن كانت هناك نية صادقة للسلام، فربما يكون هذا الاجتماع مقدمة للقاء تشاوري يمني-يمني بمشاركة الحوثيين، يُنتج إعلانًا دستوريًا جديدًا، ويؤسس لحكومة تكنوقراط مصغّرة، ومجلس قيادة موحّد بمهام واضحة، وهو أمر قد يُمكّن اليمن من عبور النفق الطويل نحو الضوء.
-->