ترامب.. الوجه الفجّ للغرب بلا مساحيق

عبدالباري علاو
الاربعاء ، ١٩ فبراير ٢٠٢٥ الساعة ٠٩:٤٥ مساءً

 

 

عندما صعد دونالد ترامب إلى السلطة لأول مرة عام 2016، اعتقد كثيرون أنه مجرد انحراف مؤقت عن المسار "القويم" للديمقراطية الغربية، وحالة استثنائية في السياسة الأمريكية—رئيسٌ غير مألوف، خارجٌ عن النص، يثير الجدل بسبب خطابه الفجّ وتصرفاته غير الدبلوماسية. لكن ترامب لم يكن سوى المرآة التي عكست الوجه الحقيقي لأمريكا. لم يكن شذوذًا عن القاعدة، بل كان التجسيد الأكثر صراحة لنظام عالمي يقوم على النفاق والهيمنة، لكنه اعتاد أن يتوارى خلف شعارات زائفة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان.

 

اليوم، مع عودته إلى المشهد في ولايته الثانية، كشف ترامب زيف الخطاب الغربي حول العدالة والدبلوماسية، واتخذ قرارات وُصفت بالجنونية، لكنها في الواقع تعكس بصدق طبيعة العقلية الأمريكية القائمة على المصالح العارية دون مواربة. لم يكتفِ بالكشف عن حقيقة السياسة الأمريكية، بل ذهب إلى مدى أبعد، فاضحًا بشكل سافر وهم "القيم الغربية" التي تتشدق بها بلاده. لم تعد سياساته مجرد تصريحات شعبوية، بل تحولت إلى قرارات فانتازية تتحدى كل المواثيق والأعراف الدولية، وتضع أمريكا في مواجهة مع العالم كله، حتى مع أقرب حلفائها.

 

• رغبته في تهجير الفلسطينيين قسرًا من غزة وشرعنة ضم الضفة الغربية وأراضٍ عربية أخرى إلى إسرائيل، لمجرد إرضاء اللوبي الصهيوني، في ازدراء واضح لكل القوانين الدولية.

 

• تعامله الفوقي مع بعض الدول العربية الحليفة لأمريكا، وازدراؤه العلني لقادتها، حيث لم يتردد في إذلالهم سياسيًا وإعلاميًا، والتعامل معهم بمنطق الجباية والابتزاز، مستغلًا حاجتهم للحماية والدعم الأمريكي.

 

• انقلابه على حلفاء أمريكا التقليديين، بدءًا من كندا والمكسيك وكولومبيا وبنما، وصولًا إلى الاتحاد الأوروبي، الذي لم يسلم من ازدرائه وسياسته العدائية.

 

• تهميشه لجنوب إفريقيا والدول الإفريقية الكبرى، وتعزيز سياسات التعالي والتمييز والهيمنة والابتزاز بدلًا من التعاون.

 

• سخريته من أوكرانيا والتعامل مع رئيسها كأنه متسول على أبواب واشنطن، رغم أن أمريكا نفسها كانت هي من ورّطه في الحرب مع روسيا.

 

كل هذه التصرفات التي تستعدي العالم ضد أمريكا لم تواجه أي معارضة داخلية تُذكر، لا من الكونغرس، ولا من الإعلام، ولا حتى من القوى التي تصف نفسها بأنها "ليبرالية" أو "مدافعة عن القيم الأمريكية". فهل هذا يعني أن الدولة العميقة في أمريكا راضية عن سياسات ترامب، أم أن الأمور خرجت عن السيطرة؟

 

في الواقع، الدولة العميقة لا يزعجها ترامب طالما أن سياساته تخدم المصالح الأمريكية الكبرى، حتى لو بدت مجنونة أو صدامية. فترامب لم يخترع النهج الانتهازي للسياسة الأمريكية، بل كشفه على حقيقته. طالما أن الدولار بخير، والشركات الكبرى تستفيد، ولوبيات السلاح والمال راضية، فإن الفوضى التي يصنعها ليست سوى جزء من اللعبة—لعبة الهيمنة التي لا تتوقف حتى تحرق كل من حولها، قبل أن تحرق نفسها في النهاية.

 

ترامب لم يكن نشازًا، ولم يكن خطأً في النظام، بل كان النظام نفسه في أوضح صوره. وترامب لم يكن سوى انعكاس حقيقي للغرب.. لكنه انعكاس بدون مساحيق.

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي