قال الكاتب والمحلل السعودي عبدالله غانم القحطاني إن الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا تمتلك فرصة استراتيجية نادرة لاستعادة سيادتها على العاصمة صنعاء، في ظل بيئة محلية وإقليمية ودولية مواتية، لكنها – بحسب وصفه – لم تُظهر مؤشرات حقيقية على استثمار هذه اللحظة الحاسمة.
وتابع قائلًا: "الفرص التاريخية المواتية غالبًا لا تتكرر، وتضيع فوائدها إن لم تُستغل في الوقت المناسب"، مؤكدًا أن "أضعف مستشار أو أدنى ضابط في جيش محترف يدرك أن التوقيت الآن في صالح الشرعية اليمنية، إن هي تحركت بذكاء وعزيمة".
وقد أبدى استغرابه من التباينات والتشتت الحاصل في أهداف الحكومة اليمنية، الذي لا يجلب سوى الإحباط ويقوّض التفاؤل. فلا يبدو أن مكونات الشرعية قادرة على توحيد رؤاها أو التوافق على مشروع وطني يخدم اليمن ويحرّره من العصابة الحوثية الإرهابية. بل قالها بوضوح: كل فريق يسير في اتجاه مختلف، وكل طرف يعمل لأجندته الخاصة!
أما الكاتب عبدالرحمن الراشد، فقد نشر مقالًا في صحيفة "الشرق الأوسط" تحت عنوان: "انتصارُ أميركا على الحوثي لا يكفي"، قال فيه:
"منذ عشرين يومًا، والقوات الأميركية تقصف بوتيرة عالية أنظمة صواريخ الحوثي، وطائرات مسيّرة، ودفاعات جوية، ومخازن سلاح، ومراكز قيادة، ومواقع تدريب، وبيوتًا لقادة الميليشيا في عدد من المحافظات، إلى جانب العاصمة صنعاء."
وتساءل الراشد: "لو استمرت العمليات بهذا التركيز، وقضت على ما تبقّى من قدرات الحوثي العسكرية، هل يُنهي ذلك وجوده؟ وماذا سيحدث لاحقًا؟"
ثم استشهد بتجارب سابقة قائلاً:
"في سوريا، بعد إضعاف قدرات الأسد، سارعت «هيئة تحرير الشام»، مستفيدة من الوضع السوري والإقليمي، وزحفت من إدلب وحلب مسافة أربعمئة كيلومتر نحو دمشق، وقضت على النظام."
"وفي لبنان، دمّرت إسرائيل قدرات وقيادات «حزب الله»، فملأ الجيش اللبناني الفراغ، وأصبح المسيطر على الطرق السريعة والمطار وكل المنشآت الحيوية، وانتُخب رئيس وشُكّلت حكومة."
أما في اليمن، فالوضع مختلف! تُدمّر قدرات الحوثي، وربما أصبح في حالة انهيار، ولكن دون أن يظهر بديل واضح. الحملة العسكرية مؤثرة، والحوثي يسعى لعقد صفقة مع واشنطن لإنقاذ ما تبقّى من وجوده. غير أن الهجمات الجوية والبحرية وحدها لا تكفي للتخلص منه؛ إذ لا بد من وجود قوة يمنية مسلحة تستولي على العاصمة صنعاء، وإلا فإن الميليشيا الإيرانية ستُعيد تأهيل نفسها، وتُبقي صنعاء تحت حكمها.
ويواصل الراشد: "واشنطن مستمرة عسكريًا منذ منتصف الشهر الماضي في انتظار أن يرفع الحوثيون الراية البيضاء، متعهدين بعدم تهديد السفن الأميركية وغيرها في مضيق باب المندب. ويُرجّح أن الحوثي سيزعم أنه أوقف هجماته انسجامًا مع حل أزمة غزة، لكن الحقيقة أن قدراته قد دُمّرت."
ويضيف محذّرًا: "إن استمر الحوثي في حكم صنعاء، فذلك يُعدّ انتصارًا له، إذ إنه الباقي بعد نظام الأسد وحزب الله."
ويرى الراشد أن الحملة العسكرية يمكن أن تُحدث تغييرًا حاسمًا، إما بالقضاء على الحوثي، أو بإجباره على التنازل عن معظم سلطته. ولكن هذا لن يحدث دون قوة عسكرية يمنية مقبولة تتحرك بفعالية لاستثمار هذا الظرف.
فهل قوات الشرعية تم بناؤها للاستعراض؟ أم للحسم؟ ومتى؟ أم نترقب قوة أخرى تستغل المشهد، وقد لا تكون لها أي علاقة بالسلطة الشرعية؟
ولعلّ اللافت أن الكُتّاب المقرّبين من المملكة العربية السعودية – وهي أكبر داعم للشرعية اليمنية – غير راضين عن أدائها، وكذلك معظم اليمنيين، نظرًا لاستمرار الخلافات البينية، والتخندق خلف أهداف ضيقة، وعدم التحرك الجاد باتجاه إنهاء الانقلاب الحوثي منذ أمد بعيد.
ولنا في التجربة السورية عبرة وعظة!
رغم أن القوى المعارضة هناك كانت مصنفة إرهابية، وملاحقة دوليًا، بل ورُصدت مبالغ طائلة للقبض على قياداتها، إلا أنهم اتفقوا على هدف واحد، وتوحدوا رغم اختلافاتهم الأيديولوجية والثقافية، ونجحوا في تشكيل قيادة موحدة، فحققوا انتصارات بارزة.
تغيّر العالم، وتسابق للاعتراف بهم وبحكمهم الجديد!
أما الشرعية اليمنية، التي تحظى باعتراف دولي غير مسبوق، فلا تزال غارقة في خلافاتها، عاجزة عن التقاط زمام المبادرة، مترددة في التوجه نحو هدفها الأساسي: استعادة الوطن والدولة والشرعية من خاطفيها.
وكما قال القحطاني:
"أرض اليمن لا تقبل الميليشيا، ولا الفكر المستورد، ولا توجد بيئة اجتماعية أو دينية تمنح شرعية لمشروع الكهنوت أو التبعية الأجنبية."
فلماذا إذًا هذا التردد؟
ولماذا هذا التراخي؟!
من يتابع إعلام الشرعية وتصريحات مسؤوليها في مأرب أو المخا، قد يُخيّل إليه أنهم على وشك دخول القصر الجمهوري في صنعاء، وكأنهم تحولوا إلى ناطق عسكري للأمريكيين لرصد ما يستهدفون!
لكن في الواقع، والحقيقة المُرّة، أن الحوثي لا يزال هو من يمسك بزمام المبادرة: يصعّد متى شاء، ويهدّئ متى أراد، والكل يترقب تحركاته ويتفاعل مع خطابه!
يقصف تعز، والشرعية – إن ردّت – ترد على مصادر النيران فقط!
يحشد على مأرب، والجميع ينتظر متى يفاجئهم بهجوم جديد!
تتحدث التقارير عن تعزيزات حوثية ضخمة تتجه نحو جبهات جنوب مأرب، مدعومة بأسلحة رشاشة متنوعة، تُنقل عبر طرق مكشوفة بين البيضاء ومأرب، والشرعية...
تراقب!
تتفرّج!
تخشى حتى أن يُقال إنها بادرت بالتحرك!
أرأيتم مثل هذا الغباء الاستراتيجي؟!
ألا يعلم القادة أن من يُحسم ضده الموقف، إن بقي ساكنًا، سيكون أول من يُقصى؟!
ألا يدركون أن من لا يتحرك اليوم، لن يكون له مكان في اليمن غدًا؟!
ها هي أمريكا، بكل قوتها، تشن غارات على مواقع حوثية في أكثر من مكان، حتى في المواقع المحصّنة جدًا، وعلى خطوط التماس، وتعلن أنها تواجه أسلحة نوعية وتتكبد خسائر مادية بمليارات الدولارات... والشرعية صامتة!
فهل يُعقل أن من يُفترض أنه صاحب الأرض والسيادة، يكتفي بدور المتفرج؟!
أيتها الشرعية!
ليس المطلوب منكم فقط "الحفاظ" على مواقعكم، بل "تحرير" ما اغتصبه الحوثي.
لقد تأخرتم كثيرًا، رغم ادعائكم امتلاك قدرات وقوات جاهزة للحسم، متى ما أُعطيت لها الإشارة.
تذكّروا: المهاجِم غير المُدافِع!
وقد تستفيقون ذات يوم لتجدوا أنفسكم في مواجهة هجوم كاسح، تخسرون فيه ما تبقّى من مواقعكم، وإذا سقطت مواقعكم، فلن تعودوا إليها أبدًا!
فبادروا...
توحدوا الآن، لا غدًا!
رتبوا صفوفكم، وحددوا هدفكم، ونسقوا مواقفكم السياسية والإعلامية، واصنعوا منها رسالة واضحة قوية تُسمع العالم، ليحترمكم ويقف إلى جانبكم.
استفيدوا من المحيط، من الدروس، من التجارب والانتصارات المتحققة في دول المنطقة، إن كنتم فعلًا تمثلون الشرعية الحقيقية، والإرادة اليمنية الصادقة!
اتخذوا القرار... الآن!
-->