لم يعتبر بمصير الرئيس الإيطالي "موسوليني" أثناء الحرب العالمية الثانية أكبر شبيه له في انتفاخ الذات والأنا الفارغة، وأقصد هنا الرئيس "دونالد ترامب"، موسوليني الذي انتهى به المطاف مقتولاً مُدلى من قدميه على أحد مباني روما، لم يعتبر بمصير صاحب أشهر مقولة في التاريخ "أنا الدولة والدولة أنا" الملك الفرنسي لويس الرابع عشر الملقب "بملك الشمس" العبارة التي ربطت بين مفهوم الدولة والملك وصارت مثالاً أبديًا للاستبداد السياسي وسطوة القوة المفرطة...
صحيح قد تنتشي الأنظمة بما تملك من قوة سطوة ونفوذ، وتتباهى بما توصلت إليه من نهضة عمرانية وصناعية وقوة اقتصادية وجيوش حديثة يخشاها القريب من خصومها والبعيد، تلك النظم والدول التي يعتليها شخوصٌ أسوياء عشِقوا السلطة، وعمِلوا على بقائها وبقائهم على رأسها، سلكوا كل الطرق، استخدموا كل الوسائل الدبلوماسية والسياسية في تعاملهم مع شعوبهم ومع رؤساء باقي الدول وممثليها..
كنموذج صارخ لصناعة الطغاة صنع "جوزيف جوبلز" وزير الإعلام الإلماني إعلامًا ضخما كي يصنع من المستشار الألماني "أدولف هتلر" أسطورة ويعيد إنتاجه من جديد، نشر صوره وجسَّده تماثيلاً وتحف رغم كل ذلك أنهى حياته الشريرة بيده..
حذا بعض الرؤساء العرب حذوه طبعوا صورهم على العملات النقدية، والطبعات البريدية صنعوا تماثيلهم في قلب العواصم والمدن وزعوا حضورهم في كل مؤسسة ووزارة فكان مصيرهم لا يحسدهم عليه أحد..
تلك القواعد والقوانين الدبلوماسية التي تعارفت عليها الدول وسارت عليها بيد أن "دونالد ترمب" وما يمارسه مع خصومه السياسيين وضيوفه الدوليين، لا يشبه ذلك في شيء، حالته في التعامل مع ضيوفه فريدة غير اعتيادية، امتلك كرجل أعمال دولة مال ضخمه، لم تُشبع طموحه بل دفعته للبحث عن السلطة والجاه كي يملأ فراغ صعلكته في زوايا روحه الفاشية..
اتخذ من قوة السلطة وسطوة الجيش الأمريكي فرصة لممارسة البلطجة الدولية، أمضاها منابر لبث تصريحات الرعب، التهديد، السخرية واستعراض القوة، ولو لم تتحصن الديموقراطية الأمريكية بمؤسساتها العسكرية والأمنية، لركب السلطة، ومارس الطغيان وتجبر وفعل ما لم يفعله نيرون بشعبه حتى وروده القبر..
زيارة الرئيس الأوكراني "زيلينسكي" الأخيرة إلى أمريكا أظهرت ترمب على حقيقته، كررت أسلوب نشأته وتعامله شابًا مع أقرانه الشباب كمصارع، مقامر ومرابي ومتهربًا من الضرائب، سلوكيات توارثها عن أبيه وجده الذي كان يعمل مديرًا لقطاع مومسات الليالي الحمراء..
خرج عن كل الأعراف الدولية في خطابه للرجل في البيت الأمريكي الكبير عن بروتوكولات الضيافة وخُلق الرؤساء، أنساه الغرور أنه مع رئيس دولة يستحق الاحترام، وإن كانت بلاده في حالة حرب وحاجة ماسة لمساعدة الآخرين..
في دورته الأولى وفي مقابلة جمعته مع الأمير "محمد بن سلمان" وعرضه لوحة الأسلحة عليه ومحاولة السخرية من قدرات المملكة في مواجهة المهددات التي تحيكها إيران وأذنابهم الفرس في اليمن، استقبل الأمير عرضه بابتسامة القائد وسعة صدر الملوك، تكرر ذلك مع ملك الأردن الذي زار ترمب لبحث قضية غزة حاول الأخير استفزازه بكل الطرق غير أن رجاحة عقل الملك وصبره جعل من ترمب مسخرة واسعة تدور حول العالم، وإن صنف البعض فعله سلوكًا آخر..
تكررت نسخ الشعور بالعظمة من بعض القادة العرب إلا أنها لم تصل حد إهانة ضيوفهم والخروج عن الأعراف الدبلوماسية مهما بلغ الخلاف، قيم الإسلام والعروبة تمنعهم وتحول دون ذلك، عدا صاحب بحيرة نفط الصحراء المقابلة لأوروبا، ماثَل ترامب في بعض الجنون وكانت نهايته بقدر جنونه..
العبرة هنا: أن الطغيان ينهي صاحبه، لكن تاريخه لا ينتهي بل يتسلل إلى سجلات التاريخ، يُسطِّر في صفحاته السوداء تقرأه الشعوب حول العالم بتقزز، وصدق من قال أن التاريخ لا يرحم لأنه كما يسطر البطولات والسير الحميدة يسرد بالتفصيل مساوىء كل أصحاب الطغيان المقيت! فهل من مدكر؟
-->