الدبلوماسية أولًا... الطريق الآمن نحو النصر

د. علي العسلي
الثلاثاء ، ٠٨ ابريل ٢٠٢٥ الساعة ٠٩:٢٨ مساءً

 

في خضم التحولات الإقليمية والدولية، ومع تسارع الأحداث وتشابك المصالح، تبرز الدبلوماسية كأداة استراتيجية لا غنى عنها، خصوصًا في سياق المعركة الوطنية لاستعادة الدولة اليمنية وإنهاء الانقلاب. فالدبلوماسية ليست ترفًا سياسيًا، بل هي ركيزة أساسية في صناعة النصر، ورافعة للحسم العسكري والسياسي.

لقد آن لدبلوماسيتنا أن تُفعّل أدواتها بذكاء استراتيجي، وحضور ناضج، ورؤية وطنية متماسكة في التعاطي مع الملف اليمني على الساحة الدولية.

وقد حان الوقت لإعادة صياغة السردية السائدة، ليس بتجاهل دور إيران، بل بتجاوزه نحو تسليط الضوء على جوهر المأساة اليمنية؛

 فالحوثي لم يكن سوى متمرد على الدولة، منقلب على الإجماع الوطني ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، مستخدمًا السلاح لفرض أيديولوجيته وإقصاء الآخرين، ساعيًا إلى احتكار السلطة وحصرها في سلالة بعينها.

لقد استولى على العاصمة، ونهب مؤسسات الدولة، وصادر مقدراتها، ولم يتردد في التخابر مع الخارج، مستقدمًا كل ما من شأنه تهديد اليمن وسيادته وأمنه، وتقويض أمن الجوار والمنطقة.

وهنا تتعاظم مسؤولية السلطة الشرعية في إنهاء هذا الوضع الشاذ؛ فالصمت لم يعد خيارًا، بل إن الحسم أصبح من أوجب الواجبات، ومن أعلى مراتب المسؤولية.

نقول هذا في وقت تتزايد فيه المؤشرات على اقتراب ساعة الحسم، خصوصًا بعد الضربات الموجعة التي تلقاها الحوثي، والتي أضعفت قدراته العسكرية بشكل غير مسبوق – واقعٌ لم يعد قابلاً للإنكار.

غير أن ثمة تطورات مقلقة في المقابل، تستدعي يقظة مضاعفة؛ 

فقد أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم أمس، أن بلاده تجري محادثات مباشرة مع إيران، مشيرًا إلى اجتماع مرتقب سيجمع مسؤولين رفيعي المستوى يوم السبت القادم، في إطار ما وصفه بالجهود الرامية إلى اتفاق "أفضل" من احتمالات التصعيد.

ومن يظن أن الخلافات بين إيران والولايات المتحدة والكيان الصهيوني ستُفضي تلقائيًا إلى سقوط المشروع الحوثي، فهو واهم.

فإيران بارعة في فن التفاوض بالمقايضة، وتوظف أذرعها العسكرية في المنطقة كورقة ضغط سياسية، لا تلبث أن تُطرح على طاولة التفاوض إذا دعت الحاجة. فكل التصعيدات الإعلامية والتهديدات القائمة ليست سوى غبار يُثار لحجب الحقيقة.

وعليه، فإن أي اتفاق إيراني-أمريكي، إن تم، سيعيد ترتيب أولويات المنطقة، وقد يُحدث تحولات جوهرية. 

 

لذا، يجب على الشرعية ألا تعوّل على الخارج، بل أن تبني استراتيجيتها على الذات الوطنية، وعلى إرادة اليمنيين، لحسم المعركة واستعادة الدولة، وإنهاء هذا الفصل الكارثي الذي طال لأكثر من عقد من الزمن.

وفي هذا الإطار، نُقدّر الخطوة الذكية التي اتخذها فخامة الرئيس الدكتور رشاد العليمي بلقائه بالسفير الأمريكي، لاستكشاف خلفيات إعلان ترامب المفاجئ، ومعرفة الموقف الأمريكي الحقيقي من الحوار المرتقب مع طهران، في ظل استمرار التدخل الإيراني في الشأن اليمني، والتساؤل حول ما إذا كان الملف اليمني حاضرًا في هذه المحادثات.

كما أحسن فخامته بعقد اجتماع مهم مع قيادات وزارة الخارجية ورؤساء البعثات الدبلوماسية اليمنية في الخارج؛ فهم حماة المركز القانوني الدولي للدولة اليمنية، وهم صوتها الحي في المحافل الدولية، وجبهتها الأمامية الناعمة في معركة الحسم القادمة.

وقد عبّر فخامته بصدق ووضوح حين قال:

"نلتقيكم اليوم في مرحلة حاسمة من تاريخ معركتنا الوطنية، التي نعوّل فيها كثيرًا على الدبلوماسية اليمنية لتأمين دعم دولي متكامل لمعركة الخلاص التي انتظرها شعبنا طويلًا."

فالحسم العسكري لا يمكن أن ينجز دون غطاء سياسي ودبلوماسي متين، ولا دون إرادة دولية حاسمة، تُوفّر للشرعية ما يلزم من دعم نوعي: سلاحًا، ودفاعات جوية، وطائرات، ومواقف واضحة في مجلس الأمن والمحافل الدولية.

ختامًا...

الدبلوماسية، حين تُفعّل بمهنية واقتدار، تختصر الكثير من التضحيات والمعاناة، وتمهّد الطريق نحو استعادة الدولة، دون أن تكون بديلًا عن العمل العسكري، بل شريكًا حيويًا ومساندًا له. إنها جبهة الحسم الهادئة... لكنها الحاسمة حقًا.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي