لطالما كانت الولايات المتحدة الفاعل الأكثر تأثيرًا في رسم ملامح الشرق الأوسط، سواء من خلال ت دخلاتها المباشرة أو عبر تحالفاتها الإقليمية وإدارتها للأزمات بأساليب غير مباشرة. ومع تسارع الأحداث في المنطقة، بدءًا من التطورات في السودان وتسليم السلطة لعبد الفتاح البرهان، مرورًا بالقصف الأمريكي لمواقع الحوثيين في اليمن، وصولًا إلى محاولات تطويق الصراعات المسلحة، يبرز تساؤل جوهري: هل تسعى واشنطن إلى "تصفير عداد الحرب" وإغلاق ملفات النزاعات العربية، أم أنها تمهّد لمرحلة جديدة من التوترات المستترة والصراعات بالوكالة؟
ظاهريًا، قد تبدو التحركات الأمريكية الأخيرة محاولة لإعادة ضبط المشهد الإقليمي، لكن شواهد الواقع توحي بأن الشرق الأوسط مقبل على مرحلة جديدة من الصراع، وإن تغيرت أدواته. فبدلًا من التصعيد العسكري المباشر، قد نشهد تكثيفًا للحروب الاقتصادية، وضغوطًا دبلوماسية متزايدة، وتعزيزًا لنفوذ الحلفاء الإقليميين الذين باتوا يلعبون أدوارًا أكثر فاعلية في المشهدين السياسي والعسكري. التحولات الجيوسياسية الحالية تشير إلى أن واشنطن لا تسعى إلى إنهاء الصراعات، بقدر ما تعمل على إعادة توجيهها بما يخدم مصالحها الاستراتيجية. قد تُغلق بعض الجبهات مؤقتًا، لكن من المرجح أن تُفتح جبهات أخرى، ربما بأساليب أكثر تعقيدًا، سواء عبر تصعيد غير مباشر في الخليج أو من خلال بناء تحالفات جديدة لموازنة النفوذ الروسي والصيني في المنطقة.
بالتالي، فإن الحديث عن تهدئة أمريكية محسوبة لا يعني بالضرورة استقرارًا طويل الأمد، بل قد يكون مجرد مرحلة انتقالية تتغير فيها أدوات الصراع دون أن يختفي تمامًا. وإذا كان التاريخ السياسي للشرق الأوسط قد علمنا شيئًا، فهو أن الحروب لا تنتهي، بل تتخذ أشكالًا جديدة وفقًا لمتغيرات المصالح الدولية والإقليمية.
-->