خواطر رمضانية .. تجميد الأموال ( 4 )

توفيق السامعي
السبت ، ٠٨ مارس ٢٠٢٥ الساعة ٠٣:٢٨ مساءً

 

لتجميد الأموال سلبيات كبيرة، وجرائم أكبر بحق المجتمعات؛ فهي تعني الركود الاقتصادي في كل شيء، وتعطيل حركة الحياة والمنفعة العامة للأوطان. فالأصل في المال أن يبقى دواراً ينتفع به عامة الناس صغيرهم وكبيرهم، وينعش الحياة للمجتمعات والدول.

وقد شدد الشارع الحكيم على من يقوم بتجميد هذه الأموال، وعدم انتفاع الناس بها، فقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}[سورة التوبة 34] {يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ}[سورة التوبة 35] والآيتان لا تخصان التجار ورؤوس الأموال وحسب؛ بل تعني كل من امتلك مالاً فجمده بالتكنيز وعدم جعله دواراً في حياة الناس والانتفاع بها. وللآيتين الكريمتين مفاهيم عظيمة في الحياة العملية تكشف عن توعد الله بالعقاب الأليم لعملية الاحتكار وتجميد الأموال في المجتمعات من الذين لا يريدون أن تستفيد المجتمعات من هذه الأموال المكنوزة، والتي تعطل الحركة العامة للبلاد المختلفة وشلها اقتصادياً واجتماعياً. ولذلك قال الرسول –صلى الله عليه وسلم: "لا يحتكر إلا خاطئ"! فالأموال المتحركة أولا تكسب أصحابها أموالاً أخرى عبر حركة السوق الدوارة، ويستفيد منها العاملون في مختلف الجوانب، وتستفيد منها الشعوب في القضاء على البطالة أو التقليل منها، وترفد خزينة الدولة من أموال الضرائب والواجبات الزكوية، ويستفيد منها العامل البسيط ومختلف الفئات لتنقلها في الحركة التجارية التي تنعش الإعمار، وتنعش الأسواق، وتنعش المجتمعات والأفراد، بعكس الأموال المجمدة والتي لا يستفيد منها حتى صاحبها والذي قد يتوفى وهو لم يستفد منها شيئاً. وكنوز الذهب والفضة المذكورة إنما هي الأموال التي كان يتعامل بها الناس قديماً، ويمكن إسقاطها اليوم على الأموال الورقية؛ لأن المقصود في الآيتين ليس عين الذهب والفضة وحسب وإنما الأموال التي يتداولها الناس بشكل عام في أي زمان ومكان ويستفيدون منها، وتجميدها تعطيل للحياة برمتها، ولذلك توعد الشارع الحكيم هؤلاء المجمدين و المحتكرين لها بالعقاب الأليم.

ولنضرب على ذلك مثلاً بسيطاً وهو كيف أن بعض التجار الذين يستثمرون أموالهم خارج البلاد فتنتعش البلدان التي يستثمرون فيها أموالهم اقتصادياً، وتشهد حركة مجتمعية نشطة في مختلف الجوانب، بينما تتجمد البلاد التي يتم مهاجرة رأس الأموال منها، وتزيد من نسبة العطالة والبطالة، وتتخلق حالات الفساد الاجتماعية المختلفة جراء هذا التجميد والاحتكار أو حتى إخراج الأموال خارج البلد.

إن أكبر جريمة ترتكب بحق الوطن هي أن يمتص أصحاب رؤوس الأموال كل مدخرات وأموال الشعب ثم يرحلون بهذه الأموال لاستثمارها في بلدان أخرى ويتركون بلدهم في حالة انهيار اقتصادي، وأكبر جرماً من ذلك أن يسرق المسؤولون الفسدة خزانة الدولة ويذهبون بها خارج الوطن لتستفيد منها شعوب أخرى، ويحرم منها شعبهم.

وسأضرب أبسط الأمثلة في كيفية انتفاع الناس بمبلغ بسيط لعملية واحدة فقط ناهيك عن عشرات العمليات المشابهة. في قرية من القرى البسيطة جاء شاب بمبلغ مائة ألف ريال يمني ليخطب بها من أحد جيرانه. أخذ أب العروس هذا المبلغ وذهب ليخطب لابنه الآخر من بيت آخر، وأخذ الرجل الثالث هذا المبلغ وذهب إلى جاره الرابع وخطب لابنه أيضاً...وهكذا حتى استفاد من هذا المبلغ كثير من الأسر، وكان سبباً لتعفف هذه الأسر وأبنائها وبناتها، فكيف لو كان المبلغ كبيراً وفي مشروع من المشاريع الإنمائية داخل البلد؟!  

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي