يجد المرء نفسه أحيانًا في خضم صراعات لا ناقة له فيها ولا جمل، لكن حياده ذاته يصبح تهمة تستوجب العقاب. هذا ما اختبره الكاتب لؤي العزعزي، الذي وجد أن موقفه المحايد في أتون الحرب اليمنية لم يكن ميزة تحميه، بل نقطة ضعف استهدفته من جميع الأطراف المتصارعة.
في سعيه الدؤوب للنجاة من هذا الواقع المرير، حاول العزعزي الابتعاد عن المشهد الإعلامي الملتهب، وتوجه نحو بناء مستقبل مدني من خلال مشاريع تجارية وعلمية. لم تتوقف طموحاته عند هذا الحد، بل امتدت لتأسيس منظمة حقوقية تسعى لكشف الحقائق المرة التي تجري خلف الستار في كواليس المنظمات العاملة في اليمن. لكن هذه المحاولات قوبلت بالإجهاض المستمر وبشتى السبل، وكأن هناك إصرارًا على تضييق الخناق على كل صوت يسعى للحياد أو الإصلاح.
لم تكن معاناة العزعزي وليدة اللحظة، فقد سبق وأن تحدث عن تجربة مريرة قبل عامين من الإخفاء والاعتقال التعسفي في ثلاث مدن يمنية، وعن صنوف التعذيب الجسدي التي تعرض لها. لكن أطراف الصراع لم يكتفوا بذلك، بل عمدوا إلى منعه من السفر، ليجد نفسه أسيرًا داخل دائرة العنف والصراع.
في محاولة يائسة للخلاص، تواصل مع لجنة العفو العام في صنعاء، ظنًا منه أنها قد تكون طوق النجاة. لكن عودته لم تكن سوى فصل آخر في مسلسل معاناته، حيث أُجبر على الإدلاء بشهادات وأقوال تخدم أجندة تلك الأطراف، وبمساعدة بعض الزملاء الذين خانوا الأمانة. وُضع تحت الإقامة الجبرية الفعلية ومُنع من السفر، ليصبح تحت أعين المراقبين التابعين لهم.
لم يجد العزعزي مفرًا سوى الهروب، رحلة محفوفة بالمخاطر استمرت لثلاثة أيام عبر طرق وعرة إلى مأرب. وهناك، كاد أن يقع في فخ نصبته له إحدى المجندات، وهي حيلة استخدمت للإيقاع بالكثيرين، وشهد اعتقال رفيقه نشوان الحداد، وكاد أن يُعتقل معه لولا فطنة العزعزي وفراره إلى عدن.
في عدن، لم يجد العزاء أو الأمان المنشود، بل شعر بأن الأرض تضيق به. عندها، اتخذ قرارًا جريئًا بالهجرة غير الشرعية عبر البحر إلى أفريقيا، بحثًا عن ملاذ آمن يحترم فيه إنسانيته وحريته، بعيدًا عن أسئلة المحققين وقيد المنع من السفر. لكن القدر كان له رأي آخر، ففي رحلة البحث عن الحياة، وجد نفسه ضحية لعصابة منظمة تستغل يأس الباحثين عن الأمان، ولها شركاء متنفذون في الأجهزة الأمنية يسهلون جرائمهم.
في لحظة ضعف ويأس، وبينما كان العزعزي فارًا بحياته، سُلبت منه آخر ما يملك: مدخراته القليلة، وجهاز حاسوبه المحمول الذي يحمل خلاصة جهده وعمله، وهاتفه الشخصي، وحتى ملابسه وأشيائه الضرورية. لقد وقع ضحية دلال مهرب محتال استغل حاجته للفرار، وبنى جسرًا من الثقة الزائفة قبل أن ينهب كل شيء ويختفي.
قصة لؤي العزعزي ليست مجرد حكاية شخصية، بل هي صرخة مدوية تكشف عن الوجه القبيح للصراعات التي لا ترحم حتى المحايدين، وعن استغلال يأس الناس من قبل شبكات إجرامية تستفيد من الفوضى والفلتان الأمني. إنها دعوة للتفكير بعمق في ثمن الحياد في زمن الاستقطاب الحاد، وفي مصير الأصوات التي تسعى للسلام والحقوق في ظل تغول قوى الحرب.
يبقى السؤال: إلى متى سيظل الأفراد يدفعون ثمنًا باهظًا لمواقفهم وآرائهم في هذا الصراع؟ وإلى متى ستستمر هذه العصابات في استغلال معاناة الناس دون حسيب أو رقيب؟ قضية لؤي العزعزي يجب أن تتحول إلى قضية رأي عام حقيقية، تطالب بالعدالة وحماية الأفراد من بطش الميليشيات وجشع تجار الأزمات.
-->