ترامب وأوكرانيا: لعبة التوازنات في مواجهة التنين الصيني

عبدالباري علاو
الثلاثاء ، ٠٤ مارس ٢٠٢٥ الساعة ١١:٣٠ مساءً

 

في عالم السياسة الدولية، حيث تتشابك المصالح وتتضارب الأهداف، يبدو أن دونالد ترامب، الذي عاد إلى البيت الأبيض في يناير 2025، قد اختار رسم خارطة جديدة للعلاقات الدولية. لكن هذه الخارطة تثير الجدل والقلق في أوكرانيا وأوروبا على حد سواء. تشير بعض التحليلات إلى أن ترامب، في سعيه لإعادة صياغة التوازنات العالمية، قد يكون مستعدًا للتضحية بأوكرانيا وحلفاء الولايات المتحدة في الناتو لاسترضاء فلاديمير بوتين، وذلك كجزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تحييد روسيا في مواجهة الصين الصاعدة.

الرهان على موسكو: لإعادة إنتاج سياسة نيكسون

في سبعينيات القرن الماضي، نفّذ الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون ومستشاره هنري كيسنجر واحدة من أذكى المناورات الجيوسياسية، حيث تم فتح العلاقات مع الصين لموازنة الاتحاد السوفيتي. اليوم، يبدو أن ترامب يحاول تنفيذ استراتيجية معكوسة: التقارب مع موسكو لتحييدها في الصراع القادم مع بكين.

بداية الزلزال: مكالمة ترامب وبوتين

في 13 فبراير 2025، أعلن ترامب عن مكالمة هاتفية "طويلة ومثمرة" مع بوتين، واصفًا إياها بأنها خطوة نحو "إنهاء الحرب في أوكرانيا التي لم تكن لتحدث لو كنتُ رئيسًا"، مضيفًا: "يجب أن نضع حدًا لهذه الحرب العبثية. على الأوكرانيين أن يدركوا أنهم لن يحصلوا على كل ما يريدونه". هذه الكلمات لم تكن مجرد تصريح عابر، بل إشارة واضحة إلى تحول جذري في السياسة الأمريكية. أعقب ذلك إعلان وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث في مؤتمر ميونيخ للأمن أن استعادة أوكرانيا لأراضيها المحتلة منذ 2014، بما في ذلك القرم، هي "هدف وهمي"، وأن عضوية أوكرانيا في الناتو "غير واقعية". هكذا، جردت إدارة ترامب كييف من أبرز أوراقها التفاوضية قبل أن تبدأ المحادثات مع موسكو.

الصين: الهدف الحقيقي

لماذا قد يقدم ترامب مثل هذه التنازلات؟ الإجابة قد تكمن في نظرته الاستراتيجية نحو الصين. منذ حملته الانتخابية الأولى في 2016، كان ترامب يرى في الصين التهديد الأكبر للهيمنة الأمريكية. في خطاب له في ديسمبر 2024، قال: "الصين هي منافسنا الحقيقي. روسيا ليست بهذا الحجم من الخطر". يبدو أن ترامب ينظر إلى الحرب الأوكرانية بوصفها عبئًا استراتيجيًا يعيق التركيز الأمريكي على الصين، ولذلك يسعى إلى إنهائها حتى لو كان الثمن تقديم تنازلات لبوتين.

ترامب قد يعتقد أن تقديم تنازلات لبوتين – سواء على شكل انسحاب تدريجي للدعم الأمريكي من أوكرانيا أو القبول بتسويات تصب في مصلحة روسيا – يمكن أن يدفع الكرملين إلى التقليل من دعمه للصين أو حتى البقاء على الحياد في أي صراع مستقبلي بين واشنطن وبكين.

أوروبا: الحليف المهجور

في أوروبا، كانت الصدمة أعمق. اعتمدت دول الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو على الولايات المتحدة كضامن أساسي لأمنها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. لكن تصريحات ترامب الأخيرة، التي تضمنت دعوته لزيادة الإنفاق الدفاعي لدول الناتو إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، وتلميحه إلى تقليص الوجود العسكري الأمريكي في القارة، أثارت شبح التخلي الأمريكي. رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، التي لم تتمكن حتى الآن من إجراء مكالمة مباشرة مع ترامب منذ عودته للحكم، تلقت ضربة موجعة عندما أُبلغت بمحادثات ترامب مع بوتين دون سابق إنذار من نائب الرئيس جي دي فانس خلال لقائهما في باريس.

ردود الفعل: فرح في موسكو وحزن في كييف

في موسكو، كانت الاحتفالات واضحة. وصف الكرملين مكالمة ترامب وبوتين بأنها "خطوة إيجابية"، بينما بدأت وسائل الإعلام الروسية تتحدث عن "انتصار رمزي" لروسيا بعد ثلاث سنوات من العزلة الدولية. على النقيض، في كييف، عبّر جندي أوكراني على الجبهة عن استيائه لرويترز في 21 فبراير 2025 قائلاً: "لقد وصلنا إلى نقطة اللاعودة، ضحينا بالكثير، وسنقاتل حتى النهاية". هذا الشعور يعكس الخوف من أن تكون كل التضحيات التي قدمتها أوكرانيا منذ 2022 قد ذهبت هباءً بسبب قرارات ترامب.

هل يمكن ضمان حياد روسيا في الصراع الأمريكي الصيني؟

يبدو هذا النهج محفوفًا بالمخاطر، إذ أن التجربة أثبتت أن بوتين لا يتردد في استغلال أي ضعف غربي لتعزيز نفوذ روسيا. كما أن هناك شكوكًا حول ما إذا كانت موسكو ستتخلى عن شراكتها المتنامية مع بكين مقابل مكاسب مؤقتة من واشنطن.

في إطار السعي لفهم ديناميكيات العلاقات الدولية وتأثيرها على التوازنات الجيوسياسية، تبرز حادثة المشادة الكلامية التي وقعت يوم الجمعة 28 فبراير 2025 في البيت الأبيض بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. خلال مؤتمر صحفي مشترك، اتهم ترامب زيلينسكي بالرغبة في إشعال حرب عالمية ثالثة، مشددًا على ضرورة إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، ومؤكدًا أن الولايات المتحدة قد تنسحب من دعمها إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق.

هذه الحادثة قد تُفسَّر كجزء من استراتيجية ترامب لإظهار للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه يبذل جهودًا حثيثة لإنهاء الصراع في أوكرانيا بما يخدم المصالح الروسية. من خلال هذا النهج، يسعى ترامب إلى كسب ودّ بوتين وتحييد روسيا في المواجهة المحتملة مع الصين، مما يعزز موقف الولايات المتحدة في صراعها الاقتصادي والجيوسياسي مع التنين الصيني.

تُظهر هذه الأحداث كيف يمكن للقيادات السياسية استخدام الأزمات الإقليمية كأوراق ضغط في لعبة التوازنات الدولية، حيث تُستغل المواقف والتصريحات لتحقيق مكاسب استراتيجية أوسع نطاقًا.

هل هي صفقة أم خيانة؟

ما يجري الآن قد يكون صفقة ترامب المفضلة: "فن التفاوض" الذي يتباهى به دائمًا. لكنه قد يكون أيضًا خيانة تاريخية للحلفاء الذين اعتمدوا على الولايات المتحدة كحامٍ للحرية والسيادة. إذا كان الهدف هو تحييد روسيا ضد الصين، فإن السؤال الأكبر يبقى: هل سيقبل بوتين هذا الدور كشريك ثانوي لترامب، أم أنه سيستغل هذه التنازلات لتعزيز طموحاته الإمبراطورية؟

إذا كان هناك درس يمكن استخلاصه من التاريخ، فهو أن الاسترضاء قد لا يجلب السلام بل يغذي الطموح. في عام 1938، وقّع رئيس الوزراء البريطاني نيفيل تشامبرلين اتفاقية ميونيخ مع أدولف هتلر، متخليًا عن تشيكوسلوفاكيا على أمل تجنب الحرب. لكن النتيجة كانت عكسية، إذ شجع ذلك هتلر على المضي قدمًا في غزواته. اليوم، يرى البعض أن ترامب يكرر هذا النمط مع بوتين، متجاهلاً تحذيرات التاريخ. كما أن مؤتمر يالطا في فبراير 1945، حيث تقاسم القادة الكبار - روزفلت وستالين وتشرشل - النفوذ على أوروبا، يبدو وكأنه شبح يطل من جديد مع خطط ترامب للتفاوض المباشر مع بوتين على مصير أوكرانيا دون مشاركتها.

يبقى السؤال مفتوحًا: هل سينجح ترامب في تحييد روسيا، أم أنه سيفتح الباب أمام بوتين لتعزيز نفوذه في أوروبا وآسيا معًا؟

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي