العقدة التعزية (5)

توفيق السامعي
الاثنين ، ٢١ ابريل ٢٠٢٥ الساعة ٠١:٠٣ مساءً

 

لماذا ينقم الجميع على تعز؛ سواء مليشيا الإرهاب الحوثي، وأتباع عفاش، والانتقالي، والحراك الجنوبي وهادي، وغيرهم ممن أساؤوا لها في كل حدث ومناسبة؟!

ما من طرف من تلك الأطراف إلا ونالت تعز من حقدهم وسوئهم الشيء الكثير، وتبدّى في أشد مواقفها حرجاً؛ أثناء العدوان الحوثي العفاشي عليها، لم يكن حد الشماتة بل حد التواطؤ والخذلان، وربما التعاون الخفي، في التثبيط من حركة أبنائها، والتقليل من بسالتهم وصمودهم، ومنع السلاح والذخيرة عنهم، والمشاركة ضدهم إعلامياً، بما في ذلك أطراف داخلية في تعز نفسها، وكذلك بعض منظمات المجتمع المدني المرتبطة بالحوثيين وصالح.

 

تعاني محافظة تعز اليوم أكثر من أية محافظة أو مدينة يمنية أخرى، وتنعدم فيها كل الخدمات الضرورية والأساسية، وعلى رأسها الكهرباء التي أصبحت عمود الحياة، ناهيك عن المياه والخدمات الأخرى، بينما كل السلع التي تأتيها من المنفذ الوحيد جنوباً تأتي بأسعار مضاعفة ترهق كواهل المواطنين دون بقية المحافظات.

فالكهرباء التي تسبب أزمات سياسية للشرعية من قبل الجنوب ومارب، وهو حق لهم للتخفيف من وطأة الصيف عليهم ودوران عجلة التنمية، تعز منسية منها ومن حراكها، ولا توجد كهرباء حكومية إطلاقاً في تعز، سوى الكهرباء التجارية أو الألواح الشمسية للمواطنين، وهي غارقة في الظلام منذ العدوان الحوثي العفاشي عليها في مارس 2015م.

 

بسبب الحصار الجائر الذي فرضته قوى الانقلاب على مدينة تعز لم يتبق إلا الطريق الجنوبي؛ خط تعز التربة وهيجة العبد - طور الباحة، وعلى الرغم من أنه المتنفس الوحيد للمدينة إلا أن المعاناة فيه كانت مضاعفة بسبب خراب الطريق وضيق نقيل هيجة العبد باعتباره طريقاً ثانوياً وليس رئيساً صالحاً للنقل، وكذلك مما يحصل من تقطع للمسافرين ونهبهم وقتل بعضهم في مناطق طور الباحة بتواطؤ بعض الأطراف الداخلية الجنوبية، ناهيك عن خراب الطريق أساساً كونه طريقاً فرعياً لا يصلح للشاحنات الكبيرة ومخاطره جمة استنزف كثيراً من المسافرين، وضاعف أسعار السلع بنسبة 100%.

 

فبينما تنفذ المشاريع المختلفة في المحافظات الجنوبية عموماً وكذلك محافظة مارب، لم ينفذ في تعز مشروع واحد؛ إلا ما كان مؤخراً من إعادة سفلتة طريق التربة تعز، وهو المشروع اليتيم للمحافظة وجاء بعد حملات إعلامية مكثفة وضغوط جماهيرية مختلفة رغم أن رئيس الحكومة الذي جاء فقط لمهمة اقتصادية وإعادة الإعمار كما قال في تصريحه هو معين عبدالملك؛ إبن محافظة تعز التي لم يقدم لها شيئاً، ليس لاعتبار التعصب والعمل المناطقي الذي نرفضه جميعاً؛ بل بما يمكن تمريره إلى جانب الغالبية العظمى للمشاريع الجنوبية!

 

في قمة المعارك التي كانت تخوضها تعز منفردة من أجل الحياة ودفاعاً عن نفسها كان هذا الطريق يقفل أحياناً بشكل متعمد من قبل الانتقالي الذي ضاعف من معاناة أبناء تعز، وكان يغلق محافظة عدن وبقية المحافظات الجنوبية في وجوههم، بل كان يفرض إتاوات مختلفة على كل ما يصل إلى تعز، كما حدثني مسؤولون عن هذه الأمور، وعلى وجه الخصوص إمدادات السلاح والذخيرة للمقاومة على قلته أو ندرته، وكذلك على المخصصات النفطية والغازية للمحافظة، مما حدا بوزير الدفاع السابق الفريق الركن محمد المقدشي أن يصف تعز بالقطاع المنفصل.

سألته لاحقاً: ماذا يعني قطاع منفصل؟ فبرر لي تبريراً مقنعاً كنت أردده دائماً، وذلك بسبب عزلتها وعدم تواصل جغرافيتها مع مارب أو شبوة أو بقية مناطق الشرعية ذات الجبهة الموحدة، وما يحصل لها من تقطعات للسلاح وعدم إيصاله لتعز حتى تعلن هزيمتها واستسلامها!

 

تقطع الانتقالي للسلاح المرسل لتعز من جهة مارب، واحتجزت دبابات تم شراؤها من بعض المكونات الجنوبية العسكرية لإيصالها لتعز لتعزيز الجبهة هناك، كما تم التقطع لأبناء تعز الذاهبين إلى بقية المحافظات خاصة للوقوف مع مارب ضد الغزو الحوثي، واعتقال بعضهم، كما تم منع بعض المساعدات الوصول إلى تعز، ما اضطر العمليات المشتركة للتحالف العربي إلى إنزال المعونات من غذاء ودواء وبعض الذخائر عبر الطيران الهليوكوبتر في جبل صبر وجبل حبشي.

 

لقد شاهد كل العالم -عبر مواقع التواصل الاجتماعي ويوتيوب- كيف رحّل الانتقالي أبناء تعز من عدن وإذلالهم والتضييق عليهم، وحمّلهم بالشاحنات لإعادتهم من حيث أتوا، وهم عمال بسطاء لا ناقة لهم في الأزمة والسياسة ولا جمل؛ معهم أعمال فقط في عدن، وليس لهم أي ارتباط بالجانب السياسي ولا الحزبي، وكانوا معيلين لأسرهم المضطهدة والمحاصرة، وكيف زج ببعضهم في السجون، ومنهم حتى اليوم، وبعضهم قتل في الطريق وتحت التعذيب في السجون، أو يتم الاعتداء عليهم إلى محلاتهم التجارية وحوادث القتل بحقهم مشهورة ومصورة ومنشورة في مقاطع التسجيلات، وكيف وكيف...إلخ.

صادف ذات مرة أنني كنت مسافراً من تعز نحو مقر عملي في المملكة العربية السعودية، وتم منعنا من الوصول إلى عدن في نقطة الفرشة مرتين، وتم إعادتنا إلى تعز؛ وفي المرة الثالثة دخلنا إلى عدن عبر التهريب لكي نعود إلى أعمالنا خشية أن نفقدها؛ ليس لطلب هوياتنا كما تم الزعم بذلك بل كان تعنتاً واضحاً دون سبب والشاهد الله، مع أننا كنا نعرض عليهم هوياتنا وأننا مسافرون عابرون، حتى تعرضنا إلى إطلاق نار من تلك النقطة ونجونا من إطلاق النار بأعجوبة!

 

بعض المكونات والجهات المرتبطة بتمويلات خارجية، وما تكنه من حقد على محافظة تعز، قامت باستكتاب كتائب من السفهاء السوقية من بعض المحافظات ومناطق تعز أيضاً لتشويه محافظتهم ليلاً ونهاراً، وشراء كل عاطل، وتشويه سمعة مقاومتها وجيشها الوطني، والتحقير لهم، والتقليل من شأنهم باعتبارهم جيش المدرسين، كما يطلقون عليهم، ويتكرر هذا الأمر بشكل دوري، والعمل كمخبرين للحوثية وصالح وجهات خارجية، وممولين محليين وبغطاء سياسي من بعض هذه المكونات، مما زاد في تعميق الشرخ الوطني والمكون التعزي، وضرب حاضنتها الشعبية، وتبييض الجرائم، والتحريض على الاغتيالات الداخلية للشخصيات الفاعلة في الجيش والمقاومة، وصولاً حد تحالف وتجنيد بعض المكونات الحزبية لتنظيم القاعدة وعناصر إرهابية متطرفة تزعزع أمن تعز، وتقوم باغتيال بعض الشخصيات الفاعلة فيها من قيادة المقاومة والمواطنين والخطباء كحال الشهيدين عمر دوكم وضياء الحق الأهدل وغيرهم كثير، ووصلت أرقام الاغتيالات إلى أكثر من 150 شخصاً بين ضابط وجندي وخطيب ومدني من معلمين وناشطين سياسيين وغيرهم، حتى أن أحد الحزبيين المعتقين لبعض الأحزاب من نفس المحافظة اتهم كل أبناء تعز بالدعشنة والأخونة والإرهاب وطالب التحالف العربي بقصف السكان بشكل كامل باعتبار الكل إرهابيين، وياللأسف!

 

قامت هذه العناصر بتجيير حقيقة الوضع في تعز وتصويرها على أنها قندهار اليمن، ويسيطر عليها حزب الإصلاح وشيطنتهم جميعاً، مع أنه لم يصمد في وجه الغزو الحوثي غيرهم، وكان أكثر من دفع الثمن بين كافة المكونات اليمنية، وذلك تماشياً مع موجة التوجه الإقليمي والدولي في الوقوف ضد بعض الإسلاميين، ووصولاً حد التحريض على ضرب المدينة والمحافظة بالطيران باعتبار أن كل تعز إخوان مسلمين، وهو إجرام ليس له مثيل من قبل في تاريخ اليمن، مما جعل الإرهاب الحوثي يشدد قبضته وحصاره على المدينة والاعتداء عليها، وإطالة أمد حصارها من الجميع.

ذات لقاء كنت أتناقش مع النائب السابق لرئيس الجمهورية الفريق الركن علي محسن صالح حول خذلان تعز، فأبدى حسرته عليها أكثر مما يتحسر عليها بعض مسؤوليها، فقال: "لقد تعرضت تعز لظلم لم تظلم مثله محافظة من قبل، وكلنا لم نستطع مساعدتها إلا بحسب الظروف والاستطاعة، وهو لا يكفي. تعز إن تحررت ستتحرر باقي اليمن".

 

بينما الجندي في بقية المحافظات سواء الجنوبية أو مارب أو منطقة الساحل الغربي يتسلم ألف ريال سعودي، وهو ما زال قليلاً بحقهم، إلا أن الجندي في تعز، وكذلك المعلم، يتسلم ستين ألف ريال يمني بالعملة الجديدة؛ أي أقل من مائة ريال سعودي، وهو لا يكفي لشراء طيس من الدقيق وعلبة زيت وبعض الكيلوهات من السكر، ناهيك عن بقية المتطلبات، لندرك حجم المأساة التي يعيشها هؤلاء الأبطال المضحون الصامدون الذين لم يتركوا متارسهم ولم يخونوا مبادئهم وثورتهم ومحافظتهم، ومع ذلك سجلوا انتصارات مبهرة لقنت الحوثية دروساً لا تنسى في الصمود والشجاعة والاستبسال!

... يتبع

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي