في مشهد سياسي متقلّب كالمشهد اليمني، يبرز الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي بمقاربة متزنة وهادئة، تبدو لأول مرة محصّنة من التشويش المعتاد، الذي كثيرًا ما رافق تحركاته، خصوصًا من زملائه في مجلس القيادة الرئاسي؛ إذ كان أي سفير، حين يلتقي الرئيس، مضطرًا إلى المرور على أكثر من عضو.
أن يتوارى أعضاء مجلس القيادة الرئاسي عن لقاء من يلتقيهم الرئيس، وأن يغيبوا عن الظهور الإعلامي والتصريحات في هذه اللحظة المفصلية من تاريخ اليمن، ويُترك الأمر برمّته للرئيس، لهو تطور إيجابي، بل وضروري، يعزز صورة الدولة ويعيد الاعتبار للموقع الرئاسي في الداخل والخارج.
حراك في الخارج لتحريك الداخل!
النص بعد التصحيح اللغوي والنحوي:
اختار الرئيس العليمي الانطلاق خارجيًا بدبلوماسية فاعلة ومحورية، استنادًا إلى ما صرّح به فخامته من أن ساعة الصفر قد اقتربت، وأن الحسم داخليًا قد حان موعده. وتأتي تحركاته لإعادة اليمن إلى مركز الاهتمام الدولي، بهدف تحشيد الطاقات وبناء شراكة فاعلة مع المجتمع الدولي، باعتبار ذلك مدخلًا مهمًا للتحرك الداخلي على مختلف الجبهات من أجل الحسم. وأي تحرك على الأرض أو في البحار اليمنية دون تنسيق مع الشرعية يُعد تجاوزًا لها وخدمة مجانية للحوثي.
فقد التقى الرئيس مؤخرًا بسفراء الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، والاتحاد الأوروبي، كلٍّ على حدة، وناقش معهم قضايا جوهرية تتعلق بالإرهاب، والتدخل الإيراني، وأمن الممرات الدولية، بالإضافة إلى الدعم الاقتصادي المطلوب لتحسين الأوضاع في الداخل اليمني.
لقاء نوعي مع السفير الأمريكي
نركّز هنا على اللقاء المهم الذي جمع الرئيس بالسفير الأمريكي ستيفن فاجن، كون الولايات المتحدة تشنّ حربًا لا هوادة فيها على الحوثيين. ويكتسب هذا اللقاء أهمية في ظل حرص الرئيس والقيادة على المطالبة بالتحقيق والتحقّق من ادعاءات الحوثي بما يخص استهداف المدنيين، ما يعكس حرص الرئيس على تفادي تعريض المدنيين والأعيان المدنية اليمنية للأذى.
ويمثل اللقاء نقلة نوعية في مستوى التفاهم اليمني-الأمريكي، حيث جرى استعراض سبل تعزيز العلاقات الثنائية، خصوصًا في مجالات مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وتنسيق الجهود لتجفيف منابع تمويل الميليشيات الحوثية.
المقاربة اليمنية... تحالف استراتيجي لمواجهة الجماعة الحوثية الإرهابية
أتصوّر أن هذه اللقاءات لم تكن بروتوكولية بقدر ما كانت تأسيسية لشراكة استراتيجية حقيقية في قادم الأيام، تتقاطع فيها مصالح اليمن مع الأمريكيين والاتحاد الأوروبي وباقي دول العالم عند نقطة مواجهة خطر الحوثيين، باعتبارهم جماعة إرهابية تهدد الأمن الوطني والإقليمي والدولي.
وتُقدّر القيادة اليمنية عاليًا الجهود الأمريكية في اعتراض شحنات السلاح الإيراني المهرب، مع إدراكها العميق أن تلك الجهود لن تؤتي ثمارها الكاملة إلا إذا أُرفقت بدعم مباشر للشرعية اليمنية لاستعادة الدولة ونفوذها على كامل التراب الوطني.
ولن يتحقق ذلك إلا من خلال دعم عسكري سخي للجيش الوطني لاستعادة كل شبر مغتصب من الحوثيين، إلى جانب دعم اقتصادي ينعكس على حياة المواطن اليمني، وعلى استقرار العملة، وتوفير الخدمات الأساسية. وهذه هي أولى الأولويات لدى القيادة اليمنية، وينبغي أن تكون كذلك بالنسبة للمجتمع الدولي.
موقف أوروبي واعد وتحركات ملموسة
وفي السياق ذاته، التقى الرئيس بالسفير رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي، وسفيري فرنسا وألمانيا. وتركزت اللقاءات على التنسيق المشترك لحماية الممرات المائية من هجمات الحوثيين، والحد من تأثيراتهم التخريبية على الملاحة الدولية.
وقد شدد الرئيس على أن أي حل سياسي دائم في اليمن لا يمكن أن يتم دون إنهاء الانقلاب الحوثي وإنهاء النفوذ الإيراني في البلاد.
وكان الرئيس العليمي واضحًا في دعوته للأوروبيين إلى مواكبة التصنيف الأمريكي للجماعة الحوثية كمنظمة إرهابية أجنبية، وتحويل المواقف السياسية المعلنة إلى إجراءات ردعية حقيقية تكبح طموحات إيران في اليمن، وتدعم الحكومة في إنهاء الانقلاب الحوثي. وقد أوضح السفراء توجه بلدانهم نحو تشديد العقوبات على الحوثيين.
توسيع الشراكة وتطوير الدعم
اختتمت لقاءات الرئيس بتفاهمات مبدئية على ضرورة إقامة شراكة استراتيجية أكثر فاعلية تشمل مجالات الدفاع، والاقتصاد، والبيئة، والثقافة، والتعليم، بالإضافة إلى مضاعفة الدعم الإنساني والإنمائي لتحسين الأوضاع المعيشية المتدهورة واستدامة الخدمات الأساسية.
مقترحات ختامية:
1. تثبيت مبدأ وحدة القيادة والقرار في الداخل والخارج: ضرورة استمرار توحيد الجهود الدبلوماسية بيد الرئيس ومؤسستي الرئاسة والخارجية، وتجنب التضارب في التصريحات والمواقف.
2. الدفع بتصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية عالمية على المستوى الأوروبي والعالمي: التنسيق مع العواصم الأوروبية وباقي دول العالم للانضمام إلى المسار الأمريكي في التصنيف والملاحقة المالية والجنائية للجماعة.
3. الربط بين الدعم العسكري-الأمني والدعم الاقتصادي: تشكيل لجنة مشتركة يمنية دولية من الخبراء والفنيين والعسكريين لتحديد أولويات الدعم الاقتصادي بالتوازي مع المسار العسكري والأمني.
4. إطلاق خطة وطنية للعودة الآمنة إلى الدولة: ترتكز على فتح سفارات الدول في العاصمة المؤقتة عدن، مع دعم المجتمعات المحلية، وحماية الممرات، وتطهير المؤسسات من التغلغل الحوثي.
ختامًا...
الرئيس العليمي لا يطرح مبادرات عبثية، بل يصوغ "مقاربات واقعية" تستند إلى الشرعية اليمنية والدولية، وتسعى إلى استعادة الدولة اليمنية. إنها مقاربات لا تقف عند حدّ التوصيف، بل تتقدم نحو الحلول والحسم، برؤية دبلوماسية هادئة، وحنكة سياسية، وتحرك ميداني عسكري، وتموضع في المركز القانوني للدولة يعيد لليمن وجهه الغائب.
-->