غيرُ معقولٍ ما يجري في اليمن، ولا يُمكن تصوُّره!
نُفتّش في سَمِّ الخِياط عن السبب الجوهريّ والمفصليّ؛ علّنا نُسهم في الحل، فنُعجَز! لأن الجَمَل لم ولن يَلِج، والباب لم يُفتح، فنعود لنقول:
"ربّنا اكشفْ عنّا العذاب، إنّا مؤمنون، إنّا موقنون..."
قالوا: إنّ الفنادق هي السبب، فإذا بجولاني يأتي ويُحرّر بلاده من الفنادق نفسها!
وقالوا: إنّ التشتّت، والكيانات، والكانتونات، والتشكيلات هي العائق؛ فوجدنا أنّ سوريا – بتعقيدها وتنوّعها واختلافاتها الدينية والقومية والمذهبية – قد اجتمعت، واتّفقت، وتوحّدت!
بل لقد تكرّم إخوتُنا في الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، فجمعوا الجمع، وأشركوا الفاعلين في السلطة... وكان المفترض أن ما بعد 7 إبريل 2022 ليس كما قبله!
لكن، للأسف، شيئًا من ذلك لم يتحقّق!
وقالوا: إنّ التدخّل الخارجي هو السبب، فقلنا: وهل هناك أعظم من التدخّل في سوريا؟! هناك قواعد عسكرية ضخمة للدول العظمى... لكنها اليوم تحمل عصاها وترحل!
وقالوا: إنّ جارة سوريا "تركيا" وقفت بقوة مع جولاني وربعه... فقلنا: المملكة سبقتها، وليست أقلّ منها، بل عملت وتعمل أكثر! فقد قاتلت جنبًا إلى جنب، وتدخّلت عسكريًا، ودعمت قرار حسم الشرعية بالتحرّك الميداني، لإنهاء الانقلاب واستعادة الدولة، وأنشأت تحالفًا عربيًا، وفعّلت به بندًا معطّلاً في الجامعة العربية اسمه "الدفاع العربي المشترك"، وأسهمت في تحرير المساحة الأكبر من الجمهورية اليمنية، ولا تزال تدعم، ولن تفرّط بحقّ الجوار وبأمنها القومي، بل وأكثر!
لقد ناقشنا كل شيء، وطرحنا كل الآراء، وتعرّضنا لكل القضايا!
ثقوا... أن المشكلة فينا ومِنّا يا حضرات...!!
قالوا: إنّ "حُمران العيون" من أنصار الشرعية كانوا قاب قوسين أو أدنى من النصر في صنعاء والحديدة، لكنهم مُنعوا! هذا مجرّد تخمين، لأنه لا توجد شكوى ولا تصريح رسمي بذلك.
وقيل: إنّ التحالف نفسه قد استهدفهم وهم يتحرّكون، والبعض وصفها بـ"نيران صديقة" في نهم، وفي مدخل عدن، عندما شَعّبوا وخالفوا وبدأوا بالتقدّم!
وقالوا: إنّ أمريكا هي من رسمت الخطوط الحمراء، ومنعت تحرير صنعاء واستعادة الحديدة!
بل لقد كشف النائب الحر، الشهيد الحي أحمد سيف حاشد، بعد أن تنفّس شيئًا من الحرية في واشنطن، عن خفايا خطيرة؛ فالحوثيون – بحسبه – هم من طلبوا دعمًا رسميًا وموثّقًا من أمريكا قبل انقلابهم على الشرعية لدخول صنعاء!
ولذلك، ظلّت العاصمة خطًا أحمر إلى هذه اللحظة! ففضحهم، وفضح من تواطأ معهم، ورفع الصوت عاليًا: هؤلاء هم العملاء!
قلنا أيضًا وكتبنا مرارًا عن الأسباب والحلول، وأخيرًا قلنا: إنّ عُقدة اليمن هي بريطانيا... فهي من صنعت الأزمة، ولها تاريخ في ذلك، وربما يكون الحل من بوّابتها!
ودعونا القيادة للتفاوض معها للخروج من المأزق!
وقيل كذلك: إنّ الشرعية منزوعة الصَّميل، وقد تخلّى التحالف عن دعم عملياتها البرية بالتغطية الجوية عندما قَبِل بالهدنة، ولم يعُد التحالف يُسيّر طلعات جوية في اليمن، فتوقّف الزحف، حتى إنها لم تستطع حماية منشآتها النفطية!
فهل يُعقل أن مَن لم يُبادر – وبكل الطرق والوسائل – لحماية مقراته ومنشآته واستئناف تصدير نفطه… يبدأ من هنا قرار وساعة الحسم...!؟ ما لم، فأصمتوا ولا تتكلّموا عن تحرير ما تبقّى تحت يد الحوثي!
وقالوا، ويقولون كثيرًا، إنّ الكفيل أو الضمين هو السبب، وإنّ اليمن سيتحرّر في غضون أيام متى ما أراد الكُفَلاء ذلك!
كأنّ معاناة اليمني في الداخل صارت امتدادًا لمعاناته كعامل في الخارج...
فالفرد كان يُعاني في كفالةٍ في المهجر، والدولة باتت تُعاني تحت الوصاية الدولية والكفلاء!
أَيُعقل هذا؟! هذا لا يُصدَّق... خاصةً بعد ما أوردناه من حقائق ومعلومات!
نعم! إنّ اليمن باتت ساحةً للاعبين كُثُر، لكن المُخرج واحد، والمُتحكّم في تفاصيل المشهد من ألفه إلى يائه هو: أمريكا!
فما دونها تفاصيل، أدوات، تصرّفات، رغبات، وأمنيات… لكنها هي من تُحدّد خطوط النهاية كما حدّدت البداية!
لكن... وإن شاء الله، بعد "لكن" هذه المرة، الأمر مختلف...
أمريكا، الداعمة للحوثي سابقًا، يبدو أنّها غيّرت بوصلتها، وقد تخلّت عنهم، فلا عذر اليوم... وها هي الآن تُنزل عليهم نارًا ودمارًا!
فهل يُمكن للشرعية ومناصريها أن يُواصلوا التبرير؟ أن يستمروا في صناعة الأعذار؟
أظن: إلى هنا وكفى!
والله المستعان...
فأين المشكلة إذن؟ في الصَّميل؟ أم في الكفيل؟ أم في الإرادة والقرار؟ أم في الفشل الدبلوماسي في إقناع أمريكا والعالم بعدالة القضية أم في كل ما سبق؟!
-->