في زمنٍ تتعطش فيه اليمن إلى نموذجٍ صادق، نزيه، وشفّاف، تطلّ وزارة الأوقاف والإرشاد اليمنية على الناس بوجهٍ مشرق، تحمل عبق القيم، وضياء النزاهة، وروح الأمانة، مقدّمةً نموذجًا مصغّرًا لما ينبغي أن تكون عليه مؤسسات الدولة اليمنية الشرعية. إنها تستلهم من الحج أسمى معاني الإخلاص والتجرّد، ومحاسبة الذات، والتربية على تحمّل المسؤولية تجاه الله وحقوق العباد.
تذكّروا جيدًا هذا التاريخ: الأربعاء 7 مايو 2025م، يومٌ غير عادي، يومٌ تستحق فيه وزارة الأوقاف وسام الشرف؛ وسام الوفاء، وسام التصحيح المالي والإداري.
ففي هذا اليوم دشّنت الوزارة عملية تسليم المبالغ المستردّة لحجاج اليمن عن موسم حج 1445هـ، والتي بلغت نحو 15 مليون ريال سعودي. وليس حجم المبلغ وحده ما يستحق الذكر، بل المبدأ، وروح المسؤولية، والشفافية، والمبادرة غير المسبوقة في إعادة الحقوق إلى أهلها.
إذ تُعيد الوزارة مبلغًا قد تم قبضه، وانتهى الحج، وعاد الحجاج إلى أهلهم وديارهم، ونسي أغلبهم ما دفعوه… لكن وزارة الأوقاف، بقيادتها ومسؤوليها، لم تنسَ. بل واصلت جهودها، وأعلنت مرارًا منذ 16 يناير 2025م — ذلك التاريخ الذي لا ينبغي أن يُنسى — حتى يوم التسليم، ساعيةً للوصول إلى كل حاجٍ أدّى الفريضة. وبعد تواصل ومراجعة دقيقة، أعدّت الكشوفات وبدأت عملية التسليم بشفافية تامة، عبر قنوات رسمية، من خلال بنك القطيبي.
لقد سبق هذه الخطوة وعيٌ إداري، ونزاهة، وتقوى، تجلّت في البلاغ الصحفي الصادر يوم الخميس 16 يناير 2025م، الذي أكّدت فيه الوزارة نجاحها في استرداد تلك المبالغ، بعد تقييمٍ دقيق ومحاسبة منصفة، حققت العدالة فيما قُدّم وما لم يُقدّم من خدمات.
ما أروع أن ترتقي مؤسسات الدولة إلى هذا المستوى من التقوى الإدارية!
وما أجمل أن تتحول تعاليم الحج من مشاعر مؤقتة إلى سلوكٍ دائم لدى من يتولّون شؤون الناس!
وقد عبّر معالي الوزير الدكتور محمد بن عيضة شبيبة عن هذه الروح في كلماتٍ تنبض بالمسؤولية، قائلًا:
"إن هذه الخطوة تأتي كثمرةٍ لجهود كبيرة، ومراجعة كافة العقود، وتقييم الالتزامات، واسترداد مبالغ عن خدمات لم تُنفّذ أثناء موسم حج 1445هـ".
نعم، إنها ثمرة الإخلاص، وحصاد الشفافية، وعلامة على يقظة إدارية قلّ نظيرها في واقعنا، وهي أيضًا سبقٌ إداري وروحي، يجب أن يُخلّد في الذاكرة الوطنية، ويُدوّن في تقارير الإنجاز المؤسسي.
بل هي دعوة مفتوحة لبقية الوزارات والهيئات:
أن تراجع، أن تقيم، أن تُصلح، أن تتجرّد من أعذار التبرير، وأن تصغي لصوت الضمير والمصلحة العامة.
أليست هذه هي مقاصد الإسلام الكبرى؟
أن يُؤدّى الحق إلى أهله؟
أن يُصان المال العام؟
أن يُكافأ الصادقون؟
وبهذه المناسبة، لا يفوتنا أن نُشيد بالتعاون الشفاف والمثمر من وزارة الحج والعمرة في المملكة العربية السعودية، التي أكّدت التزامها الراسخ بخدمة ضيوف الرحمن، وأثبتت أن الشراكة في الخير لا تعرف حدودًا ولا زمنًا، بل تمتد بروح الأخوّة الإسلامية، ليصل الحق إلى صاحبه ولو طال عليه الأمد.
إننا أمام نموذجٍ ملهم، يثبت أن المراجعة ليست ضعفًا، بل تجلٍ للقوة النزيهة والمسؤولة، وأن الشفافية ليست شعارًا، بل موقفٌ وأداءٌ عملي، وأن تعظيم فريضة الحج لا يكون بالشعائر فقط، بل بالمسؤولية والأمانة في إدارتها.
تحية لكل مسؤولٍ في وزارة الأوقاف والإرشاد، من الوزير وحتى أصغر موظف، ممن كانوا أمناء على المال العام والخاص، ووفّوا بعهدهم مع الله، ثم مع الحجيج.
وتحية لكل قلمٍ أنصفهم، ولكل جهةٍ اقتدت بهم، حتى تؤتي فريضة الحج ثمارها في حياتنا اليومية، لا في المشاعر المقدسة وحدها.
"إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يُتقنه".
حج مبرور في الموسم القادم 1446هـ،
وتمنياتنا أن تكون الخدمات أجود، والرضا أعم، والقبول من الله أسبق، للحجاج ومن سهر على خدمتهم وتيسير مناسكهم.
آمين، اللهم آمين.
-->