يمن الافتراض والتحقق:
إن متحققة انهيار الفارق بين الخيالي والواقعي، للاستمرار مع ما طرح، من الأهمية بمكان، واستنادًا إلى السينما، فليس" الواقعي، كما يطرح مورفيوس، قائد المقاومة للمسيحي المتشدد نيو، سوى إشارة كهربائية يفسرها المخ"، وقد عقم الخيال بشكله السابق، لا لشيء سوى لأنه غدا واقعًا، لنجد ميشيو كاكو، عالم الفيزياء النظرية، الأمريكي من أصول يابانية، الحاصل على جائزة نوبل، يقول لنا إن كتاب الخيال العلمي يتصلون به، طالبين منه أن يمدهم بموضوعات جديدة يمكن أن يتخيلوها، ويكتبوا روايات على ضوئها، بعد هذه الانكشافات الكونية العملاقة، ولا ننسى أن ما هو خيال هنا، هو حقيقة في مكان آخر هناك، ما يدفعنا إلى الإصرار على ما سنجني من اللجوء إلى الحل الافتراضي الشبكي لإصلاح الحالة اليمنية عمومًا وخصوصًا، ولتحقيق ما عجز عنه الواقع، لو استخدمنا مفهوم الواقع الزائل مؤقتًا بوصفه أداة لفهم الافتراض وما صرنا إليه.
ولست، في حديثي عن حالة اليمن، واقعًا في نوع من الشوفينية، أو الوطنية المتشنجة، بل أضع اليمن في محيطه المحلي، والإقليمي والدولي، والكوني، ولا يغفل طرحي عن التفاعل مع الإقليم وما وراءه، وإنما أضع بصائرنا جميعًا على طرق ناجعة لتحقق يمني فاعل، يفيد منه الداخل اليمني، والمحيط الإقليمي، وما بعدهما، ويعيد أمور البلاد إلى موقعها الصحيح، ليتقدم بها وبشركائها وجيرانها، نحو المستقبل، ونحن لا نتحدث عن أرض صغيرة وقصية، ومعزولة عن العالم، بل ننظر في اليمن الواسع، اليمن الأمة المترامية الأطراف والأحلام، فليس اليمني هو اليمني مغتربًا موزعًا في بلاد الله فحسب، بل إنه تكوينات واسعة في جغرافيات متعددة، كشرق آسيا، وشرق أفريقيا، إضافة إلى ظفائر مكانية متعددة، فضلاً عن التاريخ وما أدراك ما التاريخ، وعواصفه الرأسية والأفقية ومقولاته وفعلياته.
إن مما لا ريب فيه، أن فهمنا لمثل هذا متحققة فعليًّا، اتساعات اليمن، سيضع أيدينا على مكمن/مكامن الحلول، فمشكلات اليمن، إلا حرص الشر على إذكاء القبيلة بما هي أطر قديمة لا تناسب العصر وتمكين القوى الرجعية من زمام البلد، راجعة إلى خطورة ما تتمدد عليه الأراضي اليمنية من ثروات، وما تملك من امتدادات جغرافية، ومساحات ومنافذ بحرية، وإلى حضورها الشاب في مواردها البشرية الكثيرة، وإلى ما تتوافر عليه من حضور تاريخي، فهي كما يصرح فيليب، تقع عند تقاطع المصير الإنساني، وبلا شك تنطبق عليها مسلمة نيتشاوية، نسبة إلى فردريك نيتشه، تقول إن الضعيف ليس من لا يمتلك القوة، وإنما من يحال بينه وبين قوته، وهذا، بدون مبالغة، حال بلادنا اليمنية، لذا لا بد من بناء يمن افتراضي فاعل، سوف يمكننا من حل المشكلة، ويدعم تحرير الأرض الواقعية، حتى لا نكون حينما تتحرر اليمن، قد فقدنا كل شيء وأول ذلك قوانا الشابة، يمن افتراضي سوف يتقدم بنا وبالواقع المحرر حينها إلى آفاق أبعد، وأكثر حضورًا.
سوف يشكل جزء معين من إحدى الودائع والمنح، في استعماله لإنشاء يمن افتراضي، فارقًا فعليًّا، يمن شبكي يتيح فعاليات القرب رغمًا عن أنف الجغرافيا المتقطعة وإحكام مليشيا خارجة عن القانون قبضتها على حيز مهم في قلب البلاد، ويعزز الإنتاجية ويحل مشكلات بنية الدولة، وصعوبات الوصول، وانقطاعات التعليم، ويستبسل في بناء هويات يمنية قادرة على التناغم مع العالم، وامتلاك أزمَّة المبادرة، مع الداخل المركز، والخارج الجار والأخ، والسمو بروح الإنسان عاليًا صوب أعالي الحرية والاعتماد على النفس، ومنفعة النفس وحواضرها، وإخوتها في الشاسع الإنساني.
إن ما لا يمكن إغفاله عند هذا المفترق، هو تفجر أسئلة الــ"كيف"، وبما؟!. وإلى حدود؟!، وحتى أين ومتى، وإلى أين تريد أن تصل؟!، وباعتقادك، هل يترك لنا الآخرون فعل ذلك؟! أسئلة ممهورة بــ" كيف تظن أن الذين محوروا مشروعاتهم حول خيباتنا، ومنعنا من الخطو، ومثل لهم هذا التثبيط مصادر متعددة للكسب والإفادة، من أبناد جلدتنا والأبعد، هل يتركون لنا حالنا نقوم بذلك دون أن يعدوا هذه المشروعات تحديًا مقصودًا ومستفزًا لهم؟!
لن يتوقف منطق هذا الطرح، بلا شك، عند التبشير الفلسفي العاصف التفاعلية بيمن افتراضي قوي ومنتج، والاستدلال بما يدعمه من أطر فلسفية وممارساتية، فهو ماضٍ في تناول مثل كل هذه الأسئلة، وفق مجموعة من المصفوفات وعلى مستويات متنوعة، منها مستويات بنية الدولة وقيامها على شبكة واسعة تضم كل مستوياتها من أسفل الهرم إلى ذروته: المستويات الخدماتية، مستويات العمل، آفاق الهوية وعملياتها، ديناميات التعليم الافتراضي، أطروحات الثقافة، بنى المجتمع، الأوضاع الأمنية، مسارات تأهيل الكوادر العلمية، التفاعل مع الإقليم والعالم، وغير هذه المستويات، الواجب التأمل فيها في كل بحث لديناميات الافتراض، والتي ربما توقفنا في هذه المباحثة على أخذها في الحسبان، وأجلنا تفصيلها إلى تفاوض كتابي آخر، مما سيتكشف لنا خلال التعاطي مع هذه الفعاليات الافتراضية المقترحة، غير أن هذا المنطق هو نفسه أيضًا سيحتم علينا قبل هذا مناقشات أطروحاتها لا مناص من تفجرها منذ أول ملامسة لهذا الطرح من ناحية الجمهور العام والخاص، من ناحية المواطن، مثلما هي من ناحية السياسيين، والنخبة، والمهتمين والباحثين، والحالمين، والمعتادين على الريبة، والنكوص، على السواء!
ولسوف تجابهنا اعتراضات، إن استقصينا بعض ردود الفعل دون إطناب وسلمنا بأحقية إدلاء الجميع بآرائهم، منها العام ومنها الخاص، منها المتعلق بالجغرافيا، ومنها المرتبط بالتاريخ، ومنها الصادر عن محاولة جادة للفهم، والفهم المغرِض الذي سيجد فيما نقول تحديًا لسلطاته، وسطوًا على ما يعتقده حقًا شرعيًّا من مكاسب!، مجابهات ربما اتخذت من أفق السؤال سبيلاً لعرض ما تضمر، وقد تصدح باعتراضها من خلال إلقاء تأكيدات عدم الجدوى، والدعوة إلى التجاهل، والتحذير من مغبات الطموح والحلم بمستقبل مثمر، ولن يتوقف الاعتراض، ويسلِّم بالمحاولة وإتاحة المجال لديناميات التجربة!
ثمة ما يؤجج الاعتراض في النفس البشرية، ويمنحه ما نعرف من قوى وما لا نعرف، فالاعتراض شبكة من الفعاليات الإنسانية المنتجة، تدين لها البشرية بما أنجزت من انتصارات ووصولات منتُّجة وثورات، ولا يعدو الشك بما له جدوى وإنتاجية أن يكون مجرد مستوى من هذه الآفاق الاعتراضية الرفضية القاهرة للخنوع والتسليم، وهي فعليات تحتم علينا إيلاء ميكانيزماتها حقها في التعاطي مع أي موضوع كان، وتمكينها من الإجابة على استفساراتها، ومنحها الدليل وسبله، إلى جانب تمكينها من معطيات جميع القضايا، ومن هنا، غدت لزامًا علينا، الإشارة المحايدة إلى كوكبة متوقعة من الاعتراضات والتساؤلات، وأولها، سؤال: لماذا يستسهل هذا الطرح وضع اليمن والعالم الثالث فيتحدث عن الحداثة وما بعد الحداثة بل إنه ليتعدى الأمر إلى ما يدعوه بعد ما بعد الحداثة؟! كيف تتحدث عما بعد الحداثة، وما بعدها، ونحن في اليمن والوطن العربي لم نصل إلى الحداثة أصلاً، بل لم نصل إلى مرحلة التنوير؟!
يتبع ....
-->