في مشهدٍ لا يمتّ للإنسانية أو السيادة الوطنية بصلة تمارس ميليشيا الحوثي الإرهابية واحدة من أحطّ وأخطر أدوات السيطرة النفسية والسياسية، عبر إجبار المواطنين في مناطق سيطرتها على التوقيع على عرائض براءة من الخونة والعملاء كما تدعى .هذه الخطوة ليست سوى فصل جديد في مسلسل إذلال ممنهج، يهدف إلى قتل ما تبقى من روح الرفض الشعبى وتطويع المجتمع تحت عباءة الطغيان السلالي.
ففي الوقت الذي يعاني فيه اليمنيون من الفقر والتهجير وانعدام الأمن، تأتي هذه العرائض لتكمل دائرة الحصار النفسي والولاء الإجباري لهذه السلالة المجرمة . الحوثيون لا يريدون شعبًا . بل قطعانًا مطيعة توقع على الولاء تحت تهديد السلاح وتتبرأ من كل من يرفض الخضوع، مهما كانت وطنيته أو صدقه.
فمنذ أن بدأت القوات الأمريكية بشن ضربات على مواقع حوثية ردًا على هجماتهم البحرية، استغلت الجماعة تلك الأحداث لتروّج لمظلومية كاذبة مدّعية أن استهدافها هو استهداف لفلسطين والمقاومة. وفي الحقيقة ما يريده الحوثيون هو تسويق أنفسهم كضحايا كعادتهم دائماً بهدف دفع المجتمع إلى التوحد خلفهم، ولو بالإكراه.
في هذا السياق، يصبح أي معارض للحوثي خائنًا وعميلًا، وأي حياد جريمة، وأي سؤال علامة شك. إنها حالة من الابتزاز العاطفي والسياسي، يُستخدم فيها العدو الخارجي كأداة لفرض الطاعة الداخلية. وهذه العرائض لا تُقدَّم طوعًا، بل تُفرض قسرًا في المدارس والجامعات والقرى والقبائل والأسواق وحتى على المرضى في المستشفيات. والرسالة واضحة إما أن توقّع وتدخل في عبودية السلالة، أو تُدرَج ضمن الخونة ما يبيح ملاحقتك واعتقالك وحتى تصفيتك دون محاكمة.
لا أحد آمن من الاتهام، ولا كرامة تُحترم في مناطق سيطرة المليشيات الحوثية. العرائض تُستخدم كأداة إذلال جماعي، تدفع المواطنين إلى التوقيع على صكّ عبوديتهم . وتمنح الحوثي حقًّا مفتوحًا في معاقبة كل من يخرج عن الطاعة.
هذه العرائض ليست وثائق سياسية . بل صكوك إذعان تُستخدم لاحقًا كأدلة مبررة للاعتقال والملاحقة، تُرفق مع ملفات كل من يُشتبه في عدم ولائه لها . إنها تشريع داخلي لإرهاب الجماعة وإعادة إنتاج للفرز السلالي والطائفي.
بل الأخطر من ذلك، أن الحوثيين يسعون عبر هذه العرائض إلى تفخيخ المجتمع بذاته ودفعه للتجسس على نفسه، وتبني خطاب الجماعة كمرجعية وحيدة للوطنية. فمن لم يوقّع فهو موضع شك، ومن يتردد يُراقَب، ومن يعارض يُستباح !!!
الميليشيا التي رفعت شعارات "الكرامة والاستقلال تثبت كل يوم أنها ألدّ أعداء الكرامة اليمنية، وأنها لا تملك مشروعًا سوى مشروع الاستعباد باسم الله والسلالة و توقيع هذه العرائض لا يعني البراءة من الخونة كما يدعون بل البراءة من الحرية، والانخراط في مشروع عبودية جديدة تُراد لليمن.
إن مواجهة هذه الأساليب القذرة لا تتم بالصمت، بل بكشفها وفضحها والتأكيد على أن الولاء للوطن لا يُنتزع بالسلاح، والكرامة لا تُوقّع تحت التهديد والتضليل والتدليس على الناس .
-->