الفرصة الأمريكية للحوثي... صفقة تُغري بالخضوع وتُحرج الشرعية!

د. علي العسلي
الاربعاء ، ٢٣ ابريل ٢٠٢٥ الساعة ٠٨:٤٩ مساءً

 

بعد أقل من أربعٍ وعشرين ساعة على لقاء الرئيس اليمني مع هيئة التشاور والمصالحة وأمناء الأحزاب والمكونات المنضوية تحتها، يأتي العرض الأمريكي الصريح للحوثيين، دون غيرهم، من واشنطن صاحبة الكلمة الفصل في الملف اليمني... إنه مشهد الهوان والذل الذي أوصلتنا إليه صراعات ومناكفات مكونات "الشرعية" التي تفتقد للاتفاق والرؤية الموحدة!

الولايات المتحدة، كما يبدو، تسعى اليوم لإجبار الأطراف اليمنية المتصارعة على التوافق وفق قاعدة واحدة: القبول بالحوثي شريكًا رئيسيًا في حكم اليمن، وربما تمهيدًا لاحقًا لتسليمه مقاليد السلطة بشكل منفرد!

هذا السيناريو ما كان له أن يظهر لولا أنانية بعض مكونات الشرعية، التي أهدرت زخم التحالف العربي وقرارات مجلس الأمن، وراحت تتخندق خلف مشاريعها الضيقة التي لم تثمر سوى الفشل والانقسام.

في المقابل، ظهر الحوثي بمظهر "الكتلة المتجانسة"، رغم انقلابه على حلفائه من حزب المؤتمر الشعبي وطردهم من المشاركة معهم، إلا أن هؤلاء لم يردوا عليه بالمثل، خلافًا لما يحدث بين مكونات الشرعية التي لا تنفك تتآمر على بعضها البعض.

نعم، هناك تصفيات داخلية بين الحوثيين، لكنها لا تطفو على السطح، ولا تعطل مسارهم، بعكس ما نشهده في معسكر الشرعية من خلافات مزمنة وتناحر أظهرهم في صورة العاجز وغير القادر على اتخاذ القرار الموحد.

الوجوه التي اجتمعت سابقًا في موفمبيك، هي نفسها التي تجتمع اليوم في الرياض، بنفس الرؤية والمواقف، وكأن الزمن لم يمر، وكأن التجارب لم تُعلّمهم شيئًا!

لقد ساهم هذا التشرذم والتناقض في تسلل الحوثي إلى صنعاء، ثم إلى بقية المناطق، مستفيدًا من خلافات الشرعية التي حالت دون استغلال الفرصة التاريخية التي وفّرتها "عاصفة الحزم" بقيادة المملكة العربية السعودية.

ما جرى لم يكن نتيجة لقوة الحوثي، بل نتيجة غياب القرار الحاسم لدى الشرعية، وغياب مشروع وطني جامع، واكتفاء المكونات السياسية بالمماحكات والانقسامات التي كرّست بقاء الحوثي ومكّنته.

حتى محاولات مجلس التعاون الخليجي في جمع القوى اليمنية لم تحقق نتائج إيجابية، بل زادت الوضع تعقيدًا وتدهورًا.

في المقابل، كان الحوثي أكثر دهاءً، حين رفض المشاركة في مشاورات الرياض عام 2022، ففهم اللحظة جيدًا، وكان "الغبي الذي تصرّف بدهاء"، بينما بقيت الشرعية تراوح مكانها، بلا خطة، بلا قرار، وبلا وحدة!

واليوم، تأتي الولايات المتحدة لتتجاوز كل جرائم الحوثيين، وتعرض عليهم صفقة مغرية: "أوقفوا استهداف الملاحة الدولية، وسنمهّد لكم الطريق لتكونوا شركاء في تسوية سياسية".

السفير الأمريكي لدى اليمن، ستيفن فاجن، عبّر عن هذا العرض بوضوح حين قال:

 "استعادة حرية الملاحة في البحر الأحمر كفيلة بفتح الطريق أمام تسوية سياسية للصراع في اليمن".

يا للهوان! كم بات اليمن رخيصًا في نظر واشنطن! تلك التي تصنّف الحوثي جماعة إرهابية، تغضّ اليوم الطرف عن تمرده ثم انقلابه، وعن آلاف الضحايا والمهجّرين، وعن التدمير المنهجي لمؤسسات الدولة... بل تكافئ الجاني وتدعوه للمشاركة، لا للمحاسبة!

وللمفارقة، نرى أن حركة "حماس" – رغم عملية "طوفان الأقصى" – وافقت على التنحي عن الحكم في غزة مقابل هدنة وتسوية، بينما الحوثي يُغفر له كل شيء، وتُقدَّم له العروض السخية، دون أن يتنازل للشعب اليمني... لكنه قد يُغريه العرض الأمريكي، فيتنازل لها ويخضع، لضمان بقائه واستمراره!

أيها الحوثيون... "الشيطان الأكبر" كما تصفونه، يقدّم لكم صفقة من ذهب، فأخشى أن يتحوّل في نظركم لاحقًا إلى "ملاك"، إن استجبتم لصفقته!

أما أنتم، ممثلي الشرعية بكل مكوناتها، فإن كنتم تدركون خطر الحوثي على الجمهورية، على الثورة، على الدولة (وهو كذلك فعلاً)، فلتتخلوا عن أوهام المشاريع الصغيرة، ولتعتمدوا على أنفسكم؛ فوحدتكم وتأهلكم الذاتي هما السبيل الوحيد للتصدي لهذا الخطر.

التأجيل اليوم يعني القبول الإجباري بالعرض الأمريكي، فلتتحركوا الآن، لا غدًا، ولتتخذوا قرار الحسم في كل الجبهات.

إن فعلتم، فستقلبون المعادلة، وتفرضون واقعًا جديدًا، وتجبرون واشنطن على مراجعة حساباتها.

إنها اللحظة الحاسمة... فإما أن تصنعوا التاريخ، أو تبقوا هوامش في كتاب الحوثي!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي