الصوفية الرافعة الثانية للهاشمية والتشيع (الحلقة الثالثة)
توفيق السامعي
تعتبر الصوفية مدح الهاشميين والثناء عليهم عبادة لاعتقادهم أنهم قرابة النبي، كما أشرنا أكثر من مرة، ومن هذا السبيل أيضاً يمضي الشيخ الصفي أحمد بن علوان في ما مضى عليه الأولون، ودرج عليه السالكون، متحدثاً في أشعاره عن (أهل الكساء)، و(آل النبي)، وتعظيمهم، وموالاتهم، ومحبتهم، وعدم بغضهم؛ إذ يقول:
أكرِم بها مـن نفخـة مـن نـافخٍ عيــسى لــه ومحمــد آبــاء
أكـرِم بـه وبهـم معـاً وبحـزبهم وبمــن يــدين بحبـهم إذ جــاءوا
يلقي الكساء على الـذين تـأهلوا أهل الكـسا ء فهـم لهـم أبنـاء
والوا مواليهم وعـادوا ضـدهم فلهم غداً من ربهـم مـا شـاءوا
ليس الأُلى رفضوا الكرام وأبغـضوا صحب النبي فأخطـأوا وأسـاءوا
أنصار أهل البيـت أجنحـة لهـم فتيــانهم والخـــيرة الحنفـــاء
مـا بـدلوا لـو بـدلوا لعلَـتهم بــالغيرةِ العلويــة الــلأواء
....
توبوا هُـديتم لا تـشينوا حـبكم آل الــنبي ببغــضهم لتــراءوا
هذا الأساس فأسـسوا بنيـانكم فعلـى الأسـاس تـشيد الأعـلاء
وخذوا فمن بحر الحقائق تأخـذوا ممــن أتتــه بــذلك الأنبــاء
ممــن يــدين بــدين آل محمــد وعليــه منـهم بهجــة وضـياء
وهذا الوصف والمعتقد عند ابن علوان هو معتقدات الشيعة الإمامية بكل فروعها وأطيافها وأجيالها، وكثير ما كان يلمح إليه الشيخ أحمد بن علوان من الاتصال بهذا النسب وحبهم وتعظيمهم، بالقول: "ووجب عليه حينئذ أن يصل أهل هذا النسب الشريف، والرحم اللطيـف، ببعض ما يجب من حقهم من بِرهم وودهم، وحبهم وعشقهم، وأن يتصف بوصـفهم، ويتخلق بخلقهم، في علمهم وحلمهم، وع دلهم وصدقهم، لترى عليه سِـمة الأبـوة، ويشهد له شاهد النبوة، وتسلم له دعوى البنوة، ويدخل في عالم الفتوة.
وذلك هو الفتى القائم بأجر الرسول، الذي هو المطلوب من جميـع الأمـم والمسؤول، في كتاب االله -عز وجل- حيث يقول: {قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}الشورى23
ولا جرم أنه قد دخل في هـذا البـاب، وتعلـق بهـذا الـسبب الفـاخر والانتساب، الخاصة من كرام الأصحاب: أبو بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمـان -رضي االله عنهم- ومن تـابعهم وشـايعهم مـن أولي الألبـاب، فواصـلوا الأواب ووصلوا، وقابلوا وقبلوا، وقاتلوا وقتلوا، وأنفقوا وبذلوا، إذ قال صـلى الله عليـه وآله وسلم: "كل نسب وسبب منقطع إلا نسبي وسببي".
هذا جزء بسيط من استعراضنا لبعض الأدبيات الصوفية للتدليل عبر علمين شهيرين من أعلام الصوفية اليمنية، ولم نحط بها شمولاً، وظلت تتزايد قرناً بعد قرن في تدجين اليمنيين للسلالة سواء كانت مقصودة أو غير مقصودة، منظمة أو غير منظمة، المهم العبرة بنتائجها.
بالمعتقدات الصوفية في الهاشمية يسهل الانتقال من التصوف إلى التشيع، فليس بينهما إلا خيط رفيع، ويسهل تقبل الناس لهذا التشيع؛ ذلك أن الصوفية تلقي في روع الناس أن الدين باتباع ما يسمى الآل، بل هم الدين بكله باعتبارهم قرابة النبي وبقايا النبوة، ويمكن للإنسان أن يسلم رقبته راضياً لهذا الجانب ولا يعارض أو يتمرد على هؤلاء حتى لا يعارضون الدين، وهذا الذي جعل من معارضة الإمامة في اليمن معدومة، والخروج عليهم جريمة، رغم وجود حوادث خلافية وقتل أعلام صوفية من قبل الأئمة ليس من أجل الدين أو تصحيحاً للعقيدة، وإنما خوفاً من تنامي الشعبيات لبعض أعلام الصوفية تكون أرضية خصبة لمعارضات سياسية أو منافسة على الحكم والمكانة الاجتماعية بين الناس، كما فعل الإمام أحمد حميد الدين مثلاً مع قباب وأضرحة الشيخ أحمد بن علوان الصوفي في تعز، أو بعض القباب والأضرحة في تهامة، ليس حرصاً على الدين وإنهاء البدعة بل ذلك الخوف التنافسي، في الوقت الذي ترك الأئمة قباب وأضرحة أعلامهم كالرسي في صعدة الذي يحجون إليه، والمتوكل وغيره في صنعاء..
وهذا ما تنبه إليه في القرن العاشر العلامة محمد بن يحيى بهران المتوفي سنة 927، حينما يدركون الخلاف بين الجانبين، وحينما يوجد بعض الصوفية الذين يشكلون خطراً تنافسياً مع الأئمة، يتم شيطنتهم باعتبارهم خارجين مبتدعة، كحال بهر ان الذي أخذ على صوفية زمانه عداءهم الشديد للأئمة يقول: "ومن نقائصهم مخالفتهم ومباينتهم للأئمة؛ فهؤلاء القوم الصوفية نبذوا أهل البيت وراء ظهورهم، ونفروا الناس عن اتباعهم ونسبوهم إلى الابتداع في الدين بل الخروج عن خيمة المسلمين".
من يقرأ في أدبيات الصوفية بشكل عام يجد الخطاب العام في المفردات والمصطلحات هي نفس المفردات والمصطلحات الإمامية تعظيماً وتبجيلاً ونسبة للأحداث، وكذلك مسميات المناطق؛ فلا تكاد منطقة من مناطق اليمن تخلو من (ضربة علي، قدم علي، بئر علي، ماء علي، جبل علي، شق علي، مسجد علي، مدرسة علي، جامع علي ...إلخ).
وملأت الصوفية المناطق بالأضرحة الصوفية وعلى رأسها الهاشمية التي يحجون إليها بما يسمى بالجمع أو الحضرة، أو الزيارة، أو الموالد، وغيرها، وهكذا تبقي الربط بينهم وبين المجتمع بهذه الوسائل. وقد كانت الأضرحة في تهامة مشهورة بهذه الزيارات والحج إليها، ودائماً تثبت عند ترجمة أعلامهم في الكتب والسير التاريخية، فيقال مثلا: وقبره مشهور يزار ويتم التبرك به، وعنده تقضى الحاجات، كما في كتب القرون السابقة جميعها.
ومن أشهر هذه الأضرحة التي يتم الحج إليها مشهد وقبر الصوفي أحمد بن علوان في يفرس بجبل حبشي من تعز، أو أبي الغياث بن جميل الملقب بشمس الشموس، أو بعض أعلام الصوفية في تهامة.
وهناك قصيدة أيضاً في هذا المجال للصوفي البرعي يتحدث عن الحج والعمرة لقبر وضريح محمد بن عمر النهاري، يقول في بعض أبياتها:
وفي قعار جناب ما نزلت به إلا أمنت أمان الصب في الحرمِ
ألوذ بالمشهد المحروس منتصراً كأنني منه في ركن وملتزم
حيث الجلالة مضروب سرادقها والنور مبتسم يجلو دجى الظلم
هذا النهاري الذي في ضمن تربته حج ومعتمر للأيْنقِ الرسم
كذلك ينشر الطرفان الصوفي والشيعي الخرافات، ويختلقون الأساطير في حق ما يسمونه (آل البيت)، ويقولون بالكرامات وخوارق العادات، ويؤولون بعض النصوص القرآنية، ولا يكترثون لتصحيح الحديث، ويبالغون في الضعيفة ويأخذون بها، ويدخلون طقوساً غريبة وبدعية في العبادات، ويرفعون من مقام الطالبيين حد التأليه، ويغررون على العامة من الناس، وكلاهما يحج إلى القبور، ويعتقدان بتأثير أهل القبور من أئمتهم وأعلامهم، وينسبون للدين والنبي ما لم يأت عنهم ولم يصح عنهم، وكلاهما يمضي في طريق التنسيب للهاشمية ويخلطون الأسر بعضها ببعض، ويضللون على الناس في هذه الأنساب لتكثير السواد وتجنيد الأتباع واستمالة الأنصار، وكلاهما يمارس التطبير، ويمارسان الرقص والنحيب وغيرها من الطقوس، وكلاهما يدعي الغيبيات وامتلاك الأسرار.
ومن ذلك مثلاً قول الشاعر الصوفي البرعي، في محمد بن عمر النهاري، معظماً إياه باعتباره صاحب الغيب والأسرار، وأنه في حضرة الله:
قال مستودع الغيوب النهاري وهو في حضرة العزيز الباري
حين أوتي مفاتح الأسرار طمحت رفعتي على الإبصار
واصطلى كل عاشق من ناري
ومن تلك الشطحات والغلو أيضاً، قول أبي الغياث بن جميل الملقب بشمس الشموس:
تجلى لي الإسم القديم باسمه فانشقت الأسماء من أسمائي
وحباني الملك المهيمن وارتضى فالأرض أرضي والسماء سمائي
لقد حاول الإمام أحمد بن الحسين استمالة الشيخين أحمد بن علوان وأبي الغياث بن جميل إلى صفه، فكتب إليه دخولاً من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو نافذة الإمامة للحروب والنصرة والسلطة وشق عصى الطاعة وتقسيم الأمة، والذي يعتبرونه فرض الفروض، كما قال يحيى الرسي، فقال أحمد بن الحسين كتاباً صدّره بالآية: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء}آل عمران64 إلى آخر الآية، ثم قال: القصد يا شيخ الإجماع على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والسلام"، فرد عليه الشيخ ابن علوان: {إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ}آل عمران160 إلى آخر الآية...[بعد الديباجة]، أما بعد فقد وصلنا كتاب الشريف يدعونا إلى إجابته، لعمري أنها طريق سلكها، وأقبل عليها الأكثرون، غير أن نقرأ مذ سمعنا قوله تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ}الرعد14، لم يبق فينا متسع لإجابة الخلق، فليس لأحد يد أن يشهر سيفه على نفسه، وأن يفرط في يومه بعد أمسه، فليعلم السيد قلة فراغنا لما رام، وليبسط العذر، والسلام.
ومن تلك الخرافات الصوفية مثلاً قصة تصوف الشيخ أحمد بن علوان، وهي: "أنه دعته نفسه وهو شاب إلى قصد بـاب الـسلطان، والتعرض للخدمة إما مكان أبيه أو غيره، فخرج من ذي الجنان وصار قاصـداً بـاب السلطان، فلما صار بشيء من الطريق إذ بطائر أخضر قد وقع على كتفـه، ثم مـد منقاره إلى فيه، ففتح الشيخ فاه فصب فيه الطائر شيئاً ابتلعه الـشيخ، ثم عـاد مـن فوره إلى بلده، فلزم الخلوة أربعين يوماً، ثم في الحادي والأربعين خـرج مـن المتعبـد وقعد على صخرة يتعبد، فانفلقت الصخرة عن كف، وقيل لـه: صـافح الكـف.
فقال: ومن أنت؟ قال له: أبو بكر، فصافح، فقال له: قد نصبتك شـيخاً، أشار في شيء من كلامه الذي يخاطب به أصحابه حيث يقول: وشيخكم أبـو بكـر الصديق"!
كما هي خرافات الإماميين بالقول أن المطهر بن يحيى حجبت بينه وبين المؤيد في جبل اللوز غمامة أنقذته منه وغطته حتى أبلغته مأمنه ولذلك سمي المظلل بالغمام، وكذلك القاسم بن محمد قيل في حقه الكثير من الخرافات ومنها، كما قال حفيده يحيى بن الحسين:
"ومن المبالغات التي لا تعرف، ولقد وصف من مبالغاتهم بعجائب يحيلها العقل، منها وصف لي بعض الفقهاء أنه حاكاه جماعة من القبائل المائلين إلى القاسم بأنه أكل أربع مائة نفر من مقلا واحد بين يدي القاسم، ومنها أن تيساً نذر به إليه فغلط صاحبه بذبحه ورجع في نذره، فهرب التيس، وقد حز في رقبته إلى بين يدي القاسم".
.... يتبع
-->