مكاوى وثلاثيته الذهبية.. عدن مقياس النجاح والفشل

فؤاد التميمي
الثلاثاء ، ٢٩ ابريل ٢٠٢٥ الساعة ٠١:١٢ مساءً

للحديث عن مدينة عدن من باب السياسية تتزاحم امامك المفرادت وتزعجك حكايا اليوم كما كانت تفرحك قصص الأمس .. انت امام مشهد لجغرافيا اشبه بفينيس ولكنها ضاعت بين ركام اللهو السياسي الأعمى الذى انقض على المدينة على حين غفلة من اهلها فأنكر المدينة وسكانها وذبح فرادتها على أعتاب الضم القسرى .. صاحت باعلى صوتها ان لى حقوقا مختلفة وانا لست كغيرى ممن تعرفون ..فهى المدينة الوحيدة التى تقع في أقصى شبه الجزيرة العربية، وعلى ضفاف خليج عدن بمينائها العتيق، وتاريخها العريق. ورمالها الذهبية مدينة فتحت ذراعيها منذ آلاف السنين لتستقبل الحضارات ، فكانت ملتقى الثقافات، ونافذة مشرعة بكل حريتها على العالم، حتى غدت أيقونة للتنوع والتسامح والتمدن . وهل هناك من يشبه هذه المدينة ؟ . 

عدن لم تكن يوماً مجرد مدينة ساحلية أو مركزًا تجاريًا فقط، بل كانت تجربة إنسانية فريدة في التعايش، وصناعة المدنية. فمنذ نشأتها، شكّلت بيئة حاضنة للآخر، صهرت فيها الأعراق واللهجات والثقافات، ليولد منها نموذج للإنسان المتحضر، المؤمن بالسلام، والباحث عن النظام والقانون.

لم تشكّل عدن يوماً تهديداً لأحد، ولم تسلب حق أحد، ولم تهدر دم أحد. بل كانت دائماً ضحيةً للمؤامرات المناطقية، والعقائد السياسية والدينية المتسلطة، والأطماع الشخصية الضيقة.

ورغم كل ما تعرضت له، ظلت عدن وفية لقيمها المحفورة فى الاعماق ، محافظة على روحها المدنية، تنبذ العنف، وتؤمن بأن القانون والمؤسسات هما الضمانة الحقيقية للعيش الكريم.

وفي سياق الإجابة على سؤال جوهري ظل يُطرح

 (من هو العدني؟"

يقدّم الأستاذ ياسين مكاوي السياسي المعروف وهو ابن أعرق الأسر العدنية رؤية ثرية وعميقة، تتمثل فيما سماه الثلاثية الذهبية، وهي:

الثقافة المدنية و سيادة القانون والانتماء للمدينة.

هذه الثلاثية تشكل المعيار الحقيقي لفهم العدني، بعيداً عن الجغرافيا أو العرق أو الطائفة. فأن تكون عدنيًا، يعني أن تنتمي وجدانياً وروحياً للمدينة و أن تؤمن بالقوانين المدنية والمؤسسات الناظمة لشؤون المجتمع، وأن تتخلق بثقافة مدنية صافية، وأن ترمى بكل أشكال التعصب المناطقي أو العقائدي خارج أسوار المدينة.  

عدن تمتلك قدرة فريدة على صهر كل من يعيش فيها. ومن تطأ قدماه أرضها، لا يلبث إلا أن يتزين بلهجتها الجميلة ويتماهى مع أعرافها المدنية، ويتشرب روح القانون والمؤسسات الناظمة لإيقاع الحياة .

فهي مدينة تعيد صياغة الإنسان، وتجعل منه جزءاً من نسيجها الاجتماعي المتسامح. وتغرس فيه قيم احترام الآخر والإيمان بالمساواة، والبحث الدؤوب عن دولة النظام والقانون.

و على مرّ التاريخ، أنجبت عدن شخصيات فذة حملت على عاتقها مهمة تعزيز الوعي المدني، وبناء مجتمع يقوم على قيم الحرية والمساواة، كحبات اللؤلؤ على شواطئها الذهبية مازال بريقها يلمع فى ثنايا التأريخ 

هذه الشخصيات أفردت مساحات واسعة للنقاشات السياسية، والثقافية، والاجتماعية، وكان هدفها الأسمى أن يظل الجميع تحت ظلال المدنية، يعيشون بسلام ومحبة وهى قيم تشربناها وستظل نناضل من أجلها..

البحث عن المواطن العدني لا يكون في الأنساب ولا في الأصول الجغرافية، بل في القيم التي يحملها.

فالعدني هو ذاك الإنسان الذي أنسنته عدن، فصارت روحه امتداداً لروحها، وثقافته مرآة لمدنيتها، وكفاحه اليومي بحثًا عن وطن يحتكم إلى دولة القانون والمؤسسات.

في عدن الإنسان يُعاد اكتشافه؛ فيتجلى إنسانيًا، وينصهر في بوتقة مدنية فريدة، حيث لا تعصب، ولا استعلاء، بل مساواة وانتماء. ولهذا ستبقى عدن، مهما جار عليها الزمن، منارةً للأمل والمدنية، ورمزًا للسلام والتعايش الخلاق . 

هذا سرد لحالة حوار عفوية دارت بيننا ولكنها حالة تفاعلية تأريخية و امتداد لثقافة حوار البناء يغوص فى استشرافات وأمال المدينة قد تغدو النموذج الانجح اذا ما اُخرجتْ عن سياق البطش السياسى والاستلاب المناطقى وأمن الجميع بمدنيتها واحترام كينونتها وفرادتها و اعتقد جازماً ان نجاح مشروع المدينة وتعزيز قيمها سيشكل نقطة ضوء تشع خيرا وسلاماً على كل الجغرافية المحيطة وصولا إلى الجهة الأخرى من شاطئ خليج عدن .

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي