التوثيق.. وضرورة إنشأ جهاز الذاكرة اليمنية

مصطفى محمود
الثلاثاء ، ٢٨ مايو ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٥٥ مساءً

التوثيق هو الفعل الذي غالباً ما يفوت المنخرطين في الحدث، لأنهم منخرطون فيه إلى حد يعتقدونه كالشمس التي لا يمكن حجبها، ويندر أن يخطر في بالهم إمكانية أن يُنكر هذا الحدث الذي يشاهدونه بأم العين ويعيشونه ألماً وحرماناً وقهراً، ويدفعون في تضاعيفه الدم. ولكن الزمن، مثل عاشق الأخطل الصغير، يخط سطراً ثم يمحوه. هذا ما يفرض علينا أن نحمي ما يكتبه الزمن من فعل الزمن الماحي. لا لشيء إلا لكي نفيد مما مررنا فيه نحن، ونفيد به أخلافنا، ونحاصر الكهنوت الحوثي في دائرة الشر التي تصنعها أفعاله، فالنسيان حليف طبيعي للاستبداد .بالنسيان يمكن لمن دمر مدينة وقتل أهلها بوحشية المهووسين المستأثرين بالسلطة، أن يقول بعد زمن، إنه لم يفعل شيئاً، وقد يقول إنه لا يعرف أين تقع هذه المدينة.

 

الواقع أن التوثيق لا يحمي فقط من النسيان وفعل الزمن الماحي، بل يحمي أيضاً من الفعل المقصود والمدروس الذي تمارسه سلطة المليشيا الحوثيه السلاليه بغرض تحطيم الحقيقة وتعمية الأحداث عبر تشويش المشهد وزرع الشك في كل رواية. هذه وسيلة استبدادية كهنوتيه تواكب وتكمل فعلي القتل والتدمير. لهذه الوسيلة شقان، 

الأول... ذو مفعول مباشر على الحدث يهدف إلى ضرب مصداقية المقاومين لسلطة الكهنوت الحوثيه ، وتكون مواجهته بالتحلي بأكبر قدر من الصدق والدقة بما يحول، بالقدر الممكن، دون تسرب الشك إلى عقول الفاعلين والمتابعين. 

 

والشق الثاني... ذو مفعول بعيد الأمد يتمثل في سلب المقاومين للسلطه الحوثيه الكهنوتيه روايتهم للمجريات وإحلال رواية الاستبداد محلها، وتكون مواجهته بالتوثيق بأعلى قدر ممكن من معايير الدقة والموضوعية. 

 

على هذا يكون هدف الشق الأول من هذه الوسيلة هو شل الفعل المضاد لسلطة المليشيا الحوثيه ، وهدف الشق الثاني هو محو هذا الفعل أو تشويهه وطرد الحقيقة من الذاكرة، والنتيجة التي يتوخاها حراس الهاشميه السياسيه من ذلك هي الديمومة والتأبيد.

يبقى على طول الخط أن ما يريده السلاليين من الذاكرة هو أن تكون حافظة للخوف، في حين أن ما نريده نحن من الذاكرة هو أن تكون حافظة للمعرفة، فالخوف نصير الاستبداد، على العكس من المعرفة. والكذب نصير الاستبداد على العكس من الحقيقة. على هذا فإن التوثيق الدقيق والموضوعي هو عمل مضاد للاجرام السلالي ، ليس فقط بوصفه سلطة انقلابيه مستبدة، بل وبوصفه عقلية استبداد، أي عقلية سيطرة وإخضاع.

 

من السهل أن نقول إن التوثيق وصيانة الذاكرة ضرورة وواجب على شهود الأحداث، ولكن قد يجد المرء أن العمل على هذه المهمة شاق أكثر مما يتخيل، ولاسيما إذا كان يبتغي الموضوعية واحترام المعايير العلمية والأخلاقية في عمله.

من الأمثلة على اهمية التوثيق إنشأ جهاز مركزي للذاكره اليمنيه . 

  أنه يوجد آلاف القنوات وما يزيد على مليوني فيديو لجرائم الحوثي ىكنها مبعثره ومهمة الجهاز هو البحث عنها وجمعها وتدقيقها. وأُخرج منها ماهي قابلة للعرض، وعمل على إنتاج مكتبة مرئية في التاريخ الشفوي

 

 للشرعيه اليمنيه والتشكيلات المناهضه للحوثي تتضمن أكثر قدر من الساعات ، تغطي مساحة واسعة من الأحداث والمواضيع مع شرائح مختلفة من

 الشهود، 

كما يؤرشف الجهاز المفترض انشأه ويتبع رئيس الجمهوريه سجل من يوميات المليشيا الحوثيه الانقلابيه من 2004م وحتى اخر يوم لهذه المليشيا.. وكذلك جمع تقارير المنظمات المحليه والدوليه المتضمنه رصد انتهاكات المليشيا الحوثيه 

 

  يمكن لنا أن نتخيل مدى أهمية هذا العمل المرجعي للباحثين الذين سيكون لديهم عنوان محدد يفتح على بحر من المعطيات الموثقة والموثوقة والتي تفتح الباب أمام آلاف الدراسات الممكنة.

 

ولعل ان يكون ىهذا الجهاز منصة تفاعليه تتيح للقارئ التفاعل التالي مع المنصة بما يسمح بإمكانية إغناء أو تعديل أو إضافة ما يمكن أن يكون الجهاز قد غفل عنه.

سيكون هذا الجهاز ومنصاته إحدى السمات التي أتاحها لنا عصر التكنولوجيا الذي نحن فيه، فالتاريخ لم يعد يكتبه أصحاب القوة المليشاويه و الاعلاميه والماليه فقط، هناك إمكانية لوجود تاريخ موثق آخر ورواية أخرى ترى بعين الساعين إلى المشاركة وتفكيك الاستبداد المليشاوي وكسر احتكار سلطتها ، ويبقى علينا أن نتجرأ ونمتلك العزيمة لتحقيق هذه الإمكانية.

 

من المفروغ منه أن الجهاز الذاكره اليمنيه سيكون دعامة أساسية في كتابة تاريخ وطني لليمن في مرحلة قادمة، حين تلتئم فيها اليمن على نفسها حول ذاتية وطنية ونسيج وطني مشترك، بعد أن فشلت مشاريع السيطرة من كل الاطراف وباتت توغل في فشلها يوما بعد اخر ، واصبح يتوسع ادرك اليمنيون في تعدد منابتهم العرقية والمناطقيه ، وتعدد مذاهبهم الدينية والسياسية، أن خلاصهم مشتركاً يكون بوجود الدوله اليمنيه أو لا يكون، وأن أي مشروع سيطرة، بصرف النظر عن الأساس الذي يقوم عليه، هو مشروع هزيمة في النهاية، هزيمة تحمل معها من الكوارث ما بات لليمنيين خبرة وافرة به.

 

إذا كان يمكن النظر إلى إجهاز الذاكره اليمنيه المفترض إنشأة على أنه أحد أشكال الاستمرار في مواجهة استبداد الطغمة السلاليه الحوثيه.. التي أوصلت بلادنا في اسقاطها للدوله بغرض استئثارها السلطوي الذي يصل إلى حد الخيانة (الانقلاب المليشاوي هو في عمقه خيانة) إلى حالة انقسام تكاد تأتي على كل قاسم وطني مشترك بين الؤمنيين ، فإن ما نأمله هو أن يصدر قرار جمهوري بأنشأ (جهاز الذاكره اليمنيه) وان يكون تابعا لرئيس الحمهورية

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي