خلاصة أقوال وأحوال (الصلاة الإبراهيمية) 

توفيق السامعي
السبت ، ٠١ يونيو ٢٠٢٤ الساعة ١١:٣١ مساءً

من خلال بحث معمق، استمر لأكثر من عام، في مصادر الفكر الإسلامي؛ السيرة والفقه والحديث والتاريخ، خرجنا بهذه الخلاصة البحثية والنتيجة للجدل الفقهي والتاريخي في مسألة الصلاة الإبراهيمية التي تستخدمها الإمامة والشيعة بشكل عام ركيزة من ركائز الإمامة والدعوة لحكمها، وللتمييز العنصري السلالي لها، وبالتالي الثورات الدائمة على الدول المختلفة في العراق وسوريا واليمن ولبنان.

يعتبر عصر النبوة والصحابة هو عصر الاستشهاد التشريعي والديني؛ نصاً بالنبوة، وتطبيقاً وفهماً عند الصحابة، وقليل مما  تجاوزه إلى عصر التابعين تطبيقاً وفهماً، وبالتالي يعتبر ذلك العصر حجةً على من بعدهم. هذا العصر (النبوة والصحابة) لم يشهد جدلاً حول التشهد والصلاة على النبي وصيغها وتطبيقاتها، كما هو معلوم في كل أمهات الكتب، وقبل ذلك السنة العملية للنبي وأصحابه. في ذلك العصر لم يكن أحد يعمل بما يسمى الصلاة الإبراهيمية لا علماً ولا تطبيقاً؛ فكل صلوات الصحابة على النبي، وكذلك التشهد كانت تقتصر على لفظ (صلى الله عليه وسلم)، وكان الصحابة يخاطبون النبي: صلى الله عليك. وبالعودة حتى إلى مخاطبة علي بن أبي طالب وفاطمة –رضي الله عنهما- اللذين اتخذهما الشيعة أساساً لكل فكرهم وتدينهم وصل حد التأليه، كانت هذه صيغة صلواتهما على النبي، وكذلك ابناهما حسن وحسين –رضي الله عنهما. بعد عصر التابعين، في عصر تابع التابعين، بدأ قليلاً يظهر الجدل حول إلحاق الصلاة على النبي بما يسمى الآل أو الأهل كذلك سواء في التشهد أو في الصلاة على النبي، وفي عصر تدوين الأحاديث بدأت الصيغ تتعدد، وبدأت الاحتجاجات والأبحاث والإثباتات والنفي والتفسير لكل ذلك. بالعودة إلى بداياتها الأولى نجد أنها بدأت مع سلالة الحسين بن علي بشكل قليل، وكان مصدرها جعفر بن محمد على وجه التقريب؛ فهو أول من قال بعدم قبول صلاة من لم يصل الصلاة على النبي، واتخذ عبارته الشافعي –رحمه الله- مصدراً، وحشد لها بعد ذلك نصوصاً تؤيد رأيه في ذلك، مع أن كل صيغ تشهد الصحابة التي علمها إياهم النبي - صلى الله عليه وسلم- لم يذكر فيها ابداً الصلاة عليه فضلاً عن إلحاقها بما يسمى الآل. حتى استدلال الشافعي فيها مرة يستدل كالصلاة العمومية على النبي فقط ومرة في مواضع أخرى يلحقها بما يسمى الآل، والتي أطلق عليها فيما بعد (الصلاة الإبراهيمية). 

تتبعت كل ما قيل إنها أحاديث في الصلوات الإبراهيمية، في المصادر المعتبرة من أمهات الكتب، وكلها لا تخلو من علة من العلل؛ سواء في تعدد واختلاف الألفاظ، أو السند المقطوع، أو مصدر متشيع، أو رواة فيهم أقوال من ضعف وسوء حفظ أو تدليس، أو سوء فهم، أو تأويل، أو حشر بعض الألفاظ في سياق إثبات رأي المحتج بها، وجماع ذلك كله أنها تصادم النص القرآني، وتصادم السنة والسيرة النبوية وواقع الحال فيها.  قد يقول قائل: نحن اليوم في العصر الحديث لا تهمنا مثل هذه المواضيع التي عفى عليها الزمن، ولا تهمنا في صراعنا أو بناء مجتمعنا، وأن الأمم صارت في القمة ونحن نبحث في مواضيع جدلية عمرها ألف وأربعمائة عام! الحقيقة لمن يقول هذا القول كل الحق في ما يذهب إليه، ولكننا في اليمن هذه المواضيع من معضلاتنا التاريخية، ومن نظريات وخلفيات صراعنا الدائم مع الإمامة عبر التاريخ، وعادت بحلتها الحوثية الإيرانية اليوم تنبش في هذه المواضيع وتجرنا إليها جراً، وإن تجاهلناها على أنها من مخلفات الماضي، وهي تخلف ورجعية، إلا أن الحوثية اليوم تدلس على الأمة بهذه الأقوال والنصوص، وتتبعها بالأفعال، وتحشد العامة والمقاتلين بها، وتضلل على الرأي العام المحلي والإقليمي بها، ومن الأهمية بمكان دحضها، وتبيانها للناس، وتصحيح الحقائق حتى لا تبقى عصارة الدم فوارة في بلادنا، وحتى ننهي هذا الانقسام المجتمعي.

تنوير المجتمع اليمني بالحقائق، وتعليمه بالوقائع والنصوص الصحيحة هو نزع فتيل هذا الصراع الدائم الذي يتجدد في قرن مع أسر مختلفة، بالأمس البعيد كان عبر أسر بيت الرسي، وبعده بيت العياني، وبعده بيت الديلمي، وبعده بيت حمزة، ثم بيت المطهر، وتابعه في عصور متأخرة  أسر بيت شرف الدين، وبيت القاسم، وبيت المتوكل، العصر الحديث بيت حميد الدين، واليوم الحوثي، ولا ندري غداً من يأتي، وكلها تتخذ من هذه النصوص والمواضيع مدخلاً للاستنبات والإحياء مجدداً، والشعب اليمني هو من يدفع الثمن، وبالتالي علينا توعية شعبنا بهذه المغالطات من خلال تصحيح الخطاب النصي أولاً في كتبنا وتاريخنا، ومن ثم تغيير واقعنا. قد لا يفهم الكثير من الناس أن معركة الوعي هذه هي أهم من معركة السلاح والحديد والنار؛ لأن هذه المعركة هي التي تنزع فتيل السلاح، وتمنع تحشيد المقاتلين، وتوقف شلالات الدم، حينما يتجاوزها اليمنيون إلى نور العلم والمعرفة، والتحول إلى بناء الوطن برؤية عصرية مواكبة بعد نزع هذه الألغام الفكرية. قد أضطر لإنزال هذا البحث بشكل حلقات يومية في مقالات متعددة مع المصادر المختلفة، بالتفصيل الدقيق؛ فهو بحث بشكل كتاب كامل.

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي