عيد قتيل

جمال أنعم
الخميس ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٣ الساعة ٠٨:٢١ صباحاً

 عندما يغدو القتل من البداهات اليومية، اعتياداً مألوفاً لديك، فأنت القاتل المعتاد، والقتيل المألوف، أنت إذن الحشرة المنكرة، السهلة الدهس.

 

حين تتكيف مع الظلم، وتتعايش مع الظَّلمَة دون مواجهةٍ ولا إنكارٍ، حين تقنع بالعيش مسخاً راضخاً في عتمة الخوف، أعمى، أصماً، أبكماً، مطفأ الشعور، ميت الإحساس، مذعوراً، من ظلك ونفسك، راضياً بكونك طريدة قهرٍ، قاتلاً روح الإنسان في أعماقك، وخانقاً في قلبك كل ارتعاشة كبرياء، فأنت إذاً عبد جبنك، وضحية خوفك، وعدو نفسك، أنت إذاً الجاني والضحية، القاهر والمقهور. عندما تأوي خالياً على بحر من الفوضى والصراخ المتلاطم، وحين تنام طافياً على بركة دم، وأنهار من دمع، على طمأنينة متوهمَةٍ، فلا يغمرك شعورٌ بالمسئولية، ولا يشردك همٌ لصيق، ولا تبتل روحك أو تعرو قلبك هزة تأثرٍ، أو يغشاك اهتمام واغتمام، ولا يدهمك قلقٌ إنسان نبيلٍ لا تسعه نفسه، وليس بمقدوره العيش منعزلاً عن واقعه، كحيوانٍ برِّيٍ.

 

عندما لا تكون حيث أرادك الله، وحيث ترى ذاتك السامية النبيلة، فأنت إذاً عدمٌ منسيٌ في ذاكرة الإنسان، والزمان، والمكان، وجودٌ باهتٌ قابلٌ للشطب والإلغاء باستمرار. في كل مساء، ألف بئرٍ تنفتح في القلب، تلتئمُ ذاكرة النهار المثقوبة، قيامةٌ من الأسى تقوم، ينهض الأموات المخذولون، الأحياء المنسيون، الضائعون المضيعون، المسحوقون المدفوعون للعراء والمتدافعون على الفتات ، العزّل، المشردون، البراءة المتسولة، ضحايا القهر، والقمع . أحزانٌ تتدفق من كل صوبٍ، آلافُ الصرخاتِ المكبوتةِ تزوبعُ في الأعماق، عشراتُ الصور الدامية حيةًَ العتب، تجري لهباً في العروق. عيد قتيل دامع حزين ياصنعاء. بطعم الموت والهوان ، وبصورة هذه البشاعة القاتلة .

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي