سيكولوجيا العدوان الحوثي

د. ثابت الأحمدي
الاثنين ، ٠٢ نوفمبر ٢٠٢٠ الساعة ٠٦:٣٨ مساءً

قبل الشروع في الحديث عن سيكولوجيا القتل لدى الكيان الإمامي البغيض ينبغي التوقف أولا عند تصنيف الفعل نفسه وتقييمه؛ أي: هل ما يقوم به هذا الكيان على امتداد تاريخه عدوانٌ أم دفاع؟ 

وسنرد الجواب بسؤال: هل الانقلابات والثورات والخروج المسلح الذي يقومون به على الدول القائمة عدوان أم دفاع؟! لا شك أنه عدوان صارخ عن تعمد وسبق إصرار، وبالتالي سقطت أكذوبة "الدفاع" التي يتشدق بها البعض. لنخلص إلى نتيجة هي حقيقة تاريخية، وهي أن هذه الجماعة عدوانية. 

وإذن.. فما سيكولوجيا العدوان؟! ولماذا يتوارثونه جيلا بعد جيل؟ نتكلم عن عدوان الجماعة المنظم والمستند إلى مرجعية فكرية ودينية يتوارثونها جيلا بعد جيل..!

العدوان "Aggression" كسلوك نتاج الكراهية، وهو تعبير عن رفض ما هو قائم لإزالته جزئيا أو كليا، كما أنه نوع من العنف السلبي والإرهاب ونفي الآخر، يمارسه الأفراد، كما تمارسه الجماعات والدول على حد سواء، وبصور متعددة، بصرف النظر عن مشروعية هذه الممارسة. 

وقد ابتدأ هذا العدوان بابني آدم "قابيل وهابيل" حسب الإشارة القرآنية، ولا يزال مستمرا حتى تنتهي الخليقة. ومؤخرا برزت مفاهيم عدوانية جديدة كالاعتداء على الطبيعة وعلى الحيوان وعلى الكائنات. ومع فشل تحقيق الأهداف في كل مرة، سواء للأفراد أم للجماعات يتحول هذا الشعور إلى عُقد مكبوتة، تزيد من حدة الحساسيّة تجاه الآخر، بل تكسب الفرد أو الجماعات سلوكيات عدائية، وبالتالي تتراكم في اللاوعي حتى تنفجر في سُلوك عدواني جديد.

وهكذا دواليك؛ فالفشل والإحباط والتوتر النفسي والتوجس من الآخر جميعها مشاعر سلبية تجاه الآخرين، تجعل من صاحبها/ أصحابها قنبلة موقوتة ولغمًا خطرا داخل المجتمع؛ لذا كان السلام الداخلي والتصالح مع النفس ركنا مهما من أركان الاستقرار المجتمعي؛ ولكن أنى يكون السلام الداخلي والتصالح النفسي لدى كيان ما موبوء بأحقاد القرون الغابرة..؟! وتشيرُ بعض الدراسات إلى أن للوراثة دور في السلوك العدواني، فعادة ما يكون سلوكُ الأطفال كسلوك آبائهم عنيفًا وعدوانيًا حتى ولو نشأوا وتربوا بعيدا عن آبائهم، وأوضحت بعض الدراسات أن السلوك العدواني يمكنُ أن يرثه الإنسان من جدوده حتى الجد الرابع، لا من والديه فقط..[1]

إن السلوك العدائي هو في أساسه نتيجة لحالة إحباط وفشل سابقة، فكلما زاد الإحباط زاد العدوان، كما في الاعتداء على النفس بالانتحار مثلا حين يبوء شاب ما بالفشل تجاه معشوقته، أو لعدم تحقيق هدف سياسي ما كما هو الشأن مع هتلر، وهو كذلك مقدمة لحالة عنف ودمار جديدة في متوالية زمنية ما لم يتم وضع حد نهائي لها. 

وهو ما نلاحظه بوضوح من خلال مئات الخُروجات والانقلابات السياسية التي نفذها هذا الكيان عبر تاريخه، ولا يزال، حتى وإن تبدت بعض فصائله هنا أو هناك هادئة مسالمة أو متصالحة مع غيرها، فالحقيقة غير ذلك.  إن هذا الكيان يعيش حالة من الصراع الداخلي/ النفسي "صراع الذات" كما تصارع قابيل مع نفسه لوحده رغم انسحاب الطرف الآخر من المعركة ابتداء. فكون هذا الفصيل من ذلك الكيان في هذا البلد أو ذاك مسالما إنما لكونه عاجزا تمام العجز عن أية حركة يقوم بها، وليس لأنه راضٍ عن شرعية دولته القائمة. ولو قُدر للبشرية جميعًا أن تفنى في غمضة عين وبقي على وجه الأرض علويان اثنان أحدهما في مشرق الأرض والآخر في مغربها لتناحرا بالسيف على الإمامة..! 

هذا هو تاريخهم، وهذا هو تفكيرهم حتى تقوم الساعة. لا يماثلهم كيانٌ على وجه الأرض اليوم بذات التطرف والجنون إلا الكيان الصهيوني المحتل فقط. إنهم خطرٌ في حربهم وفي سِلمهم على حد سواء، والسلم عندهم حرب..! إلى جانب ذلك أيضا العدوان هو نتيجة تماهي الفرد في الجماعة، وتلاشيه نهائيا إلى حد إنكار ذاته، كما أسلفنا، ففي هذه الحالة تحصل عملية تبخيس نفسية داخلية للفرد، مقابل تعظيم للجماعة، فيضحّي الفردُ بنفسه من أجل المجموع/ الكيان، وفي سبيل الفكرة المتسامية التي يعتقدها، وكل الجماعات الدينية تربي أتباعها على التضحية بالنفس إلى جانب المال والجهد والوقت، فتنشأ روحٌ شبابية مندفعة، صادقة الاندفاع، خاصة مع انعدام الأمل في فرص النجاح الأخرى، ومع تفشي الفقر، ومع محدودية إمكانيات الفرد المنتمي، وضعف الثقة بالذات؛ لأن الفرد غير المبدع يعتقد أن حياته ستنتهي إذا ما غادر عُشَّ الجماعة أو كيانهم، فيتشبث بالوهم أو بما تيسر من الامتيازات اليسيرة التي يحصل عليها، مقابل الاستماتة في الدفاع عن المُثل العليا للجماعة التي سقته وهْمَها ونشّأته عليها؛ إنه اندفاع جنونيٌ مستميت، لا يستمد قوته من صحة الفكرة؛ بل من نفسيته المندفعة، المتأزمة في الأصل، لكي يثبت أهميته بأي صورة من الصور، وقد مارسَ عملية التبخيس الذاتي لنفسه. 

لهذا السبب نجد حطب الصراعات الدينية ووقودها من فئة المحرومين والفقراء وعامة الناس الذين وجدوا أنفسهم فجأة في لهيب الصراعات، باحثين عن مستقبلهم، لكنهم لم يعرفوا أن حالهم في أتون الصراعات كحال الفراشة التي رأت الضوء من بعيد، فأقبلت إليه، تتحلق حول اللهب فاحترقت وهي باحثة عن الضوء، وقدرُها الحتمي أن تحترقَ على أية حال..! العدوان المرتد والفوضى المقدسة

تجدرُ الإشارة هنا إلى أنّ الروح العدوانية التي يتسم بها الكيان الإمامي البغيض لا تُمثلُ خطرًا على من عداهم فحسب؛ بل حتى على أنفسهم هم أيضا في حال حكموا، أو تحكموا. إنهم شرٌ في الحالتين معا على حد سواء، فلقد تطبعوا بطابع العدائية، حتى صارت جزءًا من هُويتهم وذواتهم، ولا بد من إفراغ هذه الروح العدوانية بين الفينة والأخرى على أي نحو كان. حقا.. إن النارَ يأكل بعضُها بعضًا إن لم تجد ما تأكله. وإنهم إن لم يجدوا حطبا لنيرانهم المتقدة خارج كيانهم أكلوا بعضهم بعضا، إما أن يستفرغوا عنفهم وعدوانهم للخارج، أو يرتد هذا العنف وبالاً عليهم، في أسوأ عدوانية مرتدة إلى الذات، وذلك بحكم فوضوية النظرية ذاتها من خلال عدة ملامح، أهمها اشتراط الخروج بالسيف لصحة الإمامة، وأيضا جواز قيام أكثر من إمام في وقت واحد، إذا تناءت المسافات بين الإمامين/ الأئمة. وكذا وجوب الخروج على الإمام الظالم، ولا شك أن مقاومة الظلم مبدأ إيجابي؛ لكن أمر تكييف هذا الظلم وتقييمه مسألة نسبية، كما هو الشأن نفسه في مسألة تنائي الأمكنة، إذ القرب والبعد مسألة نسبية، وما هو قريب من وجهة نظر فلان، هو بعيد من وجهة نظر علان، وكذلك الشأن في بقية القضايا.   هذا إلى جانب العدوان المرتد على الذات في مسألة اللطم والندب والضرب والتطبير. ومن يتأمل في مسيرة هذا الكيان الإمامي عبر تاريخه يجد أن أطول فترة حُقن فيها الدم العلوي كان في فترة الجمهورية، بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م، وحتى بداية حروب الحوثي في العام 2004م؛ بل إلى إعلان انقلابهم الأسود على الدولة في 21 سبتمبر 2014م. 

ومن يومها عادت الدماء سيالة كما كانت بفعل عدوانهم الجنوني الذي لا يستقر..! لهذا نؤكد أنهم إلى جانب كونهم خطرا على الأمة، فهم خطرٌ أيضا على أنفسهم.

[1] ــ انظر: سيكولوجية العدوان، 131. للكاتب.

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي