الرئيس في "عكاظ"... وضوح في الرؤية ورسائل ذكية!

د. علي العسلي
السبت ، ٠١ فبراير ٢٠٢٥ الساعة ٠١:٤٦ مساءً

 

كما ذكرت في مقال سابق تعليقًا وتحليلًا لما قاله قائد محور بيحان، اللواء مفرح بحيبح، من الميدان، فقد دعوت المسؤولين الآخرين للظهور في الإعلام، خاصة عبر القنوات الرسمية، لشرح مواقفهم، وتحمل مسؤولياتهم، والتفاعل مع الشعب، والاستماع إليه، والتعبير عن قضاياه، والعمل على تلبية احتياجاته.

واليوم، أخصص هذا المقال لتحليل بعض ما جاء في حوار رئيس مجلس القيادة الرئاسي، الدكتور رشاد العليمي، مع صحيفة عكاظ السعودية.

وضوح رؤية الرئيس في معادلته السياسية

عبّر الرئيس خلال مقابلته مع صحيفة عكاظ عن رؤيته بوضوح، واضعًا معادلة سياسية دقيقة تقوم على النقاط التالية:

الحوثيون جماعة إرهابية ارتكبت جرائم أودت بحياة نصف مليون يمني.

العلاقة اليمنية - السعودية استراتيجية واستثنائية في أبعادها السياسية، الأمنية، الاجتماعية، والاقتصادية، ولا يمكن مقارنتها بأي علاقة أخرى بين بلدين جارين.

تحقيق السلام الشامل واستعادة الدولة يمران عبر دعم الحكومة الشرعية، لأن تعافي اليمن واستقراره ليس مجرد قضية وطنية، بل هو حاجة ملحة إقليمية ودولية.

الرئيس ورؤيته للوضع الداخلي

أكد الرئيس أن العمل التنفيذي لا يمكن أن يتم إلا من داخل اليمن، مشددًا على ضرورة رفع كفاءة العاصمة المؤقتة عدن كمركز قانوني، سياسي، واقتصادي للدولة.

كما أقرّ الرئيس بوجود تباطؤ في إصلاح المؤسسات، خاصة الخدمية منها، لكنه أكد أن العمل يسير وفق خطط مدروسة. ينبغي معالجة أسباب التباطؤ، خاصة في المؤسسة العسكرية والأمنية، من خلال سرعة هيكلتها وتشكيل غرفة عمليات واحدة!

ومن حق الرئيس أن يؤكد ذلك، ونحن معه، نشعر بالطمأنينة والفخر بقيادة شرعية تضع تفعيل الجهاز القضائي ورفع كفاءة المؤسسات الأمنية على رأس أولوياتها، باعتبار أن العدل والأمن هما أساس الحكم.

وهنا يبرز التساؤل: هل سنجد دعمًا لهذه الجهود ومؤيدين لها، بدلًا من الاكتفاء بالنقد؟

معالجة المظالم في الجنوب: إنجاز غير مسبوق

من حق الرئيس أن يفتخر، ويفتخر معه أنصاره، بما تحقق في ملف معالجة مظالم المحافظات الجنوبية، وإعادة الاعتبار للموظفين المبعدين بعد حرب 1994.

فرغم تعدد اللجان والقرارات السابقة، لم تُنفذ هذه المعالجات فعليًا إلا في عهده، مما يجعلها إنجازًا يُحسب له وللشرعية التي يقودها.

رسائل التورية الذكية: الالتزام لا يقابله الإلزام

وجّه الرئيس انتقادًا دبلوماسيًا للطريقة التي يتعامل بها المجتمع الدولي مع الأزمة اليمنية بذكاء، مشيرًا إلى التفاوت في الدعم.

الحوثيون استمروا لعقد كامل بفضل تمويل داعميهم، بينما التزم مجلس القيادة بخفض التصعيد بشراكة وثيقة مع المجتمع الدولي، دون أن يقابل ذلك بالدعم المطلوب، بل ازداد الضغط عليه لتقديم المزيد من التنازلات!

المفارقة المؤلمة أن الحكومة تلتزم بالتهدئة، في حين يصعّد الحوثيون داخليًا وضد الإقليم، ومع ذلك لا يتم ردعهم أو إلزامهم بأي التزامات، بل يتم التفاوض معهم ومحاولة إشراكهم كطرف سياسي وصانع سلام!

تصنيف الحوثيين: خطوة نحو السلام وليس العكس

أكد الرئيس أن تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية هو الخيار الأفضل لتحقيق السلام.

فحينما ألغت الإدارة الأمريكية السابقة هذا التصنيف، فهمت الميليشيات ذلك على أنه مؤشر ضعف، فصعّدت عملياتها، مما أطال أمد الحرب وفاقم الأزمة الإنسانية.

وبالتالي، فإن إعادة التصنيف ستمثل رادعًا قويًا، حيث ستحدّ من مصادر تمويل الحوثيين، وتجعل داعميهم عرضة للملاحقة الدولية.

أما المتخوفون من أن التصنيف قد يعرقل محاولات التهدئة أو يؤدي إلى كارثة إنسانية، فعليهم تقديم خيار بديل يحقق نفس مستوى الردع وينهي الانقلاب والكارثة الإنسانية... فالهدنة مخترقة، والأزمة الإنسانية مستمرة، والحكومة مستعدة للحد من تداعياتها.

الخيار الأفضل إذًا هو دعم الحكومة الشرعية لبسط نفوذها على كامل التراب اليمني. وعلى الشرعية الحذر والتنبه بعد التصنيف الأمريكي للحوثيين، خصوصًا بعدما تسرّب عن محاولة لاختطاف طائرة الخطوط الجوية اليمنية التي كانت تحمل وزراء في الشرعية من حضرموت، لتغطية ما يقال عن تصفيات داخلية تتم حاليًا داخل العاصمة صنعاء!

المجتمع الدولي: بين التخاذل وتعزيز الابتزاز الحوثي

انتقد الرئيس تقاعس مجلس الأمن عن فرض عقوبات على الحوثيين، مشيرًا إلى أن ذلك أطال أمد الحرب وساهم في تعقيد الأزمة.

فرغم أن مجلس القيادة الرئاسي شريك أساسي في جهود خفض التصعيد وإفشال المخططات الإرهابية، إلا أنه لم يُكافأ بالدعم اللازم لاستعادة سلطته في صنعاء!

وفي هذا السياق، أوضح الرئيس أن الأمم المتحدة، دون قصد، مكنت الحوثيين من استخدام أصولها وموظفيها كرهائن.

هنا استخدم الرئيس لغة دبلوماسية دقيقة، لكنه أوصل رسالة واضحة مفادها أن الأمم المتحدة، بقصد أو بدون قصد، لعبت دورًا في تمكين الحوثيين، فكيف لها الآن أن تساهم في تخليص اليمن من سيطرتهم؟!

النظام الجمهوري ثابت رغم التحديات

كان الرئيس متواضعًا حين قال إن التحالف الجمهوري أصبح أكثر قدرة على الردع.

والحقيقة أن النظام الجمهوري، منذ ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر، ظل هو الصوت الأعلى والممثل الشرعي لليمنيين والمعترف به دوليًا.

التحديات الاقتصادية: مسؤولية وطنية ودولية

تحدث الرئيس عن التحديات الاقتصادية، وتأثير الهجمات الحوثية على المنشآت النفطية، مشيرًا إلى أن مجلس القيادة الرئاسي يتفهم الاحتجاجات المطلبية في المحافظات المحررة.

وفي هذا السياق، أؤكد على ضرورة حماية المنشآت النفطية، واستئناف التصدير، وإغلاق أنابيب الضخ غير الشرعية.

كما أوضح الرئيس أن المجلس أعلن خطة لتطبيع الأوضاع في حضرموت، والاستجابة لمطالب أبنائها المشروعة.

وهنا، لا بد من التأكيد على أن المعلمين وسائر موظفي الدولة لهم حقوق مشروعة يجب الإقرار بها وإنصافهم أيضًا، لا الاكتفاء بالتفهم!

ختامًا: وضوح الرؤية ومسؤولية المرحلة حملت مقابلة الرئيس رسائل ذكية موجهة للداخل والخارج، سواء من حيث رؤيته لاستعادة الدولة، أو مطالبته بدعم دولي أكثر فاعلية، أو تأكيده على الشراكة الاستثنائية مع السعودية.

كما أرسل رسالة نقد دبلوماسي واضحة بأن عدم فرض عقوبات دولية على الحوثيين هو السبب الرئيسي في استمرار الحرب وتعقد الأوضاع.

إنها مرحلة تتطلب وضوح الرؤية، التكاتف الوطني، والعمل المستمر لتحقيق تطلعات الشعب اليمني في استعادة دولته وتحقيق السلام العادل والمستدام.

فاليمن الجمهوري هو وطن تتساوى فيه المواطنة، ولا مكان فيه لدعاة الاصطفاء الإلهي، أو لجماعات مسلحة تنازع الدولة سلطاتها الحصرية، أو لمن لا يعترف بالقوانين الوطنية والمواثيق الدولية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي