مسيرة الهدم والدمار الإمامية من الجزار وحتى الحوثي (الحلقة السابعة)

توفيق السامعي
الثلاثاء ، ١٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٠٤ صباحاً

الإمامان يحيى حميد الدين وابنه أحمد بعد خروج الأتراك من اليمن بهزيمتهم في الحرب العالمية الأولى، استولى يحيى حميد الدين على اليمن، وكان من أهم أسباب ثورة الزرانيق عليه أنه هدم مساجد تهامة وجعل منها اصطبلات للخيول وبقية الحيوانات لهدم رمزيتها وتدنيس قداستها، فثارت عليه تهامة وعلى رأسهم الزرانيق، بقيادة الشيخ أحمد فتيني جنيد.

كان هذا الإمام غداراً غشوماً جهولاً، لا يفي بوعد ولا يلتزم بعهد. "استطاع الإمام يحيى حميد الدين خداع علماء السنة في عهد أبيه المنصور بأن وعدهم أن يعيد الخلافة الراشدة وينهي الظلم ويسقط المكوس التي فرضها الأتراك، وينهي الدولة الباغية حسب تعبيره، وينصف المظلوم من الظالم، فعول عليه علماء السنة كثيراً، ولما صعد إلى مقام الإمامة وصار هو الإمام الحاكم المتحكم بزمام الأمور سقطت تلك الدعاوى وما كانت إلا خديعة، فسرعان ما تكشف الإمام يحيى على حقيقته، وأنه لا يرعى في مؤمن إلاً ولا ذمة، وأنه أتى بما هو أدهى وأمر ممن سبقه من الحكام الجائرين...( ). 

وقد انتقده أول من بايعه إماماً وفرضه على الناس وهو عبدالله بن محمد بن يحيى العيزري. عمل هذا الإمام على تخريب بيوت معارضيه مشايخ صبر والحجرية وعماقين وتهامة وإب. وقام قائد جيشه الوزير بتخريب مدارس المظفرية والأشرفية وطمس كثير من معالمها ليكمل ابنه أحمد ما تبقى منهما لاحقاً. وأيضاً فهناك من المدارس الرسولية كالظاهرية والشمسية والأشرفية الصغرى قاموا بهدمها، كما هدموا بعض المعالم التركية، وقصور ثعبات الرسولية وغيرها.

كما قام بتخريب حصن وبيوت للشيخ ناصر الأحمر وقصفها بالمدفعية لما عارضه في حبور. أخذ ناصر الأحمر على الإمام يحيى أنه انقلب بفكره بعد صلح دعان مع الأتراك الذين كان يكفرهم قبل ذلك ثم عاد ليقول إنهم إخوة مسلمون، فشعر الأحمر بالخديعة وتمرد على الإمام يحيى، ثم اصطلحا بعد هجوم حسين الأحمر على حجة.

وبعد فترة عاد الخلاف بين الإمام يحيى وبين الشيخ ناصر بن ناصر الأحمر، وأرسل الإمام جيشاً كبيراً حاصر حصن (حبور) في (ظليمة) وضربوه بالمدافع تحت مـبرر أن أهل مناطق حاشـد من رعية الإمام ولا ينبغي أن تبقــى تحت سيطرة الشيخ ناصر الأحمر، وأيضاً تحت مبرر ضمان توريث النساء. 

عمل الإمام يحيى على تخريب كثير من معالم الدولة التركية كمجلس النواب وكذلك هدم السكة الحديد التي أنشأها الأتراك وكذلك السلك والتلغراف من قبل أبيه المنصور، وكذلك مصنع المدفعية والبارود وغيرها من تلك المنشآت التي كانت تمثل نواة قوية لإنشاء دولة حقيقية متقدمة لو استغلها الإمام يحيى أحسن استغلال.

ومن صور طغيان الرجلين (يحيى وأحمد) أن "أحمد كان ولياً للعهد وأصدر أمراً لمدير المال أن يقدم له مبلغاً كبيراً، ورأى مدير المال أن يرجع إلى يحيى قبل التنفيذ، ورفض يحيى بما عهد عليه من بخل شديد، فما كان من أحمد إلا أن ذهب ليلاً إلى منزل مدير المال ومعه صفائح البنزين وصبها على المنزل من أطرافه وأشعل النيران في المنزل بمن فيه، واستمع يحيى إلى الخبر في سعادة وفخر أن وهبه الله خليفة بهذا الحزم"( ). 

بعد انتصار أحمد حميد الدين على الزرانيق قام بدك المنازل والقلاع، وأطلق السيف أحمد الأساطير على أنه لا يُهزم، وصاحب الكرامات وأن الجن تحميه حتى أُطلق عليه "أحمد ياجناه"، وقام بأسر معظم مقاتلي الزرانيق بعد فرار زعميهم الشيخ أحمد فتيني جنيد عبر البحر وهو جريح، وأسر زعيمهم الميداني الشيخ محمد سعيد مقبول وترحيله مع 721 من مقاتليه إلى سجن نافع بحجة، حيث تم تصفيته هناك. 

بعد معركة الزرانيق ذهب أحمد حميد الدين إلى برط من الجوف سنة 1351 وقام بتخريب دور وبيوت قبائل "البحور" و"آل مضمون" و"آل دمينة" و"آل ذي زيد" و"بني نوف"، واقتلع أبوابهم وشبابيكهم ونقلها إلى صنعاء. قام أحمد حميد الدين بهدم منزل الثائر زيد الموشكي نهاية أربعينيات القرن الماضي كونه كان مشاركاً في الثورة الدستورية عام 1948، ضمن هدمه وقتل ثوار آخرين.

ولما وصل خبر هدم ولي العهد لأبيه أحمد حميد الدين إلى الشاعر والثائر زيد الموشكي سجل هذه القصيدة التهكمية بحق أحمد ياجناه، والتي قال فيها:

لله درك فارساً مغوارا 

طعن السقوف ونازل الأحجارا!

يامن هدمت البيت فوق صغاره

  شكراً، فقد جعلتنا أحرارا

لم يبق في كفيك الا معول 

تؤذي به طفلا وتهدم دارا !

شلت يداك وعطلت عن كل ما 

تسدي جميلا أو تشيد منارا

خرب ودمر ما تشاء فان لل 

أحرار عزماً لا يهاب دمارا

تلك البيوت سلاسلا كانت لنا 

حطمتها فجعلتنا أحرارا

وجعلت من أطفالنا ونسائنا 

وشبابنا وشيوخنا ثوارا

ساءتك عفة أهلنا في دورنا 

فبحثت عنهم تكشف الأستارا

عمل الإمام أحمد على إزالة آية الزمان اليمنية الإسلامية وهي المدرسة الأشرفية الكبرى؛ ذلك المعلم الأضخم للمدارس العلمية الإسلامية، الذي قصده طلاب العلم من جميع أنحاء العالم القديم للتعلم فيه وخرج نوابغ العلماء اليمنيين الذين انتشروا في أصقاع الأرض لنشر العلم والدين معاً، وذلك بأقبح أنواع محاولة الهدم ليهدم قداسة المكان قبل المبنى نفسه.

فقد عمل هذا الإمام على تحويل تلك المدرسة الأضخم إلى مدبغة للجلود لكي تأتي الأملاح على أساسات المدرسة فتهدم بشكل تلقائي، ولو لم يتم تلاحقها مؤخراً لهدمت بالفعل، لينتقم من كل معالم العلم والنهضة.

في المدرسة المظفرية، والذي لا يعلمه الكثير من الناس فقد ردم المدرسة محواً لمعالمها، وأبقى فقط على جزء الجامع بعد تشويهه وطمس معالمه الداخلية ومنبره ونقوشه وقبابه. وهذه نماذج فقط مما قام به وليس إحصاءً لكل شيء، فآباؤنا وأجدادنا ما زالت ذواكرهم لامعة تحكي الكثير من جرائم الهدم والقتل والاستعباد والنهب من قبل هذا الإمام، وما ثار الناس عليهم إلا لطغيانهم الذي بلغ حدوداً لا يمكن تقبلها.

قرأت وراجعت سيرة هذا الإمام التي ألفها أحمد محمد الشامي بعنوان "إمام اليمن أحمد حميد الدين" فوجدت أنها كلها مغالطات ومدحاً أحال جرائم هذا الإمام إلى منجزات وإيجابيات، وقدم سيرته وكأنه الخليفة العادل عمر بن الخطاب، بينما جرائمه بلا حصر؛ ليس أقلها أنه قتل أربعة من إخوته اثنين منهم بالسم واثنين آخرين بضرب رقابهما، ناهيك عن أم الجرائم بحق تسميم وقتل الزرانيق 800 دفعة واحدة و1300 على مراحل وهم أسرى معصومو الدماء شرعاً وقانوناً.

من خلال مراجعتنا التاريخية لمعظم سير الإمامة وكتب تاريخهم وحروبهم المختلفة بدءاً من الرسي وحتى الحوثي فإنه لم يلتف اليمنيون حولهم كونهم مصلحين أو ذوي عدل وسياسة ورعة بحق اليمنيين، أو بسبب أنهم هاشميون يمتلكون الحق والصواب في الحكم، بل بسبب التغلب والغلبة العسكرية وحاجة الناس للمعيشة ولقمة العيش. ....... يتبع

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي