العرب وجراح اليمن: كذبة الاستقلال ونصرة غزة

موسى عبدالله قاسم
الخميس ، ٢٠ يونيو ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٢٢ مساءً

في خمسينيات القرن الماضي، شاءت الأقدار لشاب يمني أن يفلت من سجن اليمن الكبير، ويغادر إلى فضاء الوطن العربي الرحيب، تاركاً خلفه جراحات شعب مكلوم مظلوم، يلفّه سجن رهيب فرضته الإمامة الكهنوتية العنصرية، فنسيه أو تناساه إخوته العرب لعقود طويلة من الزمن.

حمل هذا الشاب عذابات وأوجاع شعبه على كاهله، وراح ينقل لإخوته العرب صورة حيّة لواقع اليمن المرير، ومعاناة ملايين اليمنيين خلف أسوار بلده المنكوب وشعبه المسلوب حريةً وكرامةً ولقمة عيش. كان هذا الشاب محسن العيني، الطالب المتنوّر الذي أصبح فيما بعد أحد أبرز رجالات الحركة الوطنية اليمنية.

 ظن محسن العيني - الذي شاهد الناس يتساقطون موتا من الجوع في أزقة صنعاء نهاية الأربعينات- أن العرب لايزالون بخير، وأن وشائج الدم والقربى ستحنّ على جزء غالٍ ومنسي من الجسد العربي، سيما وأن ما يتعرض له الشعب اليمني من ظلم وقهر وحرمان كفيلٌ بأن تلين له الصخور الصلداء قبل القلوب حتى يجد العون والنصرة منهم.

لكن بعض الظن إثم، وبمرارة المحتاج المخذول، وجد - العيني-  العرب يغرّدون خارج السرب، غير آبهين بمعاناة وعذابات شعبه. كان يحدثهم عن المقاصل والمذابح بحق الشعب عموما وأحراره ومتنوريه خصوصا، فيقولون له إن اليمن بلد مستقل، وأنه البلد العربي الوحيد الذي نجى من الاستعمار الأجنبي؟! عن أي استقلال يتحدثون؟ إن ما تعرض له اليمنيون من جرائم ومذابح فاقت في بشاعتها كل جرائم المحتلين عبر التاريخ.  

يقول العيني في كتابه -معارك ومؤامرات ضد قضية اليمن- 1957«لقد استسلم الرأي العام العربي لخرافة "استقلال اليمن"، وكأن الأمة العربية قد اجتمعت على إباحة الشعب اليمني لعائلة واحدة، تنكّل به وتطحنه طحناً وتلغيه من دنيا العروبة، وحين يستغيث اليمنيون من العذاب الذي يعانونه، ويستنجدون شهامة الأمة العربية، لا يجدون إلا الرد التقليدي أن اليمن دولة عربية مستقلة.»

واليوم تتكرر المأساة، مأساة الرأي العام العربي تجاه اليمن، عنوانها هذه المرة الانتصار لغزة وتحرير فلسطين! هكذا فتح العرب أعينهم فجأة على اليمن بعدما ظلت مغمضة لعقد من الزمن، لا ليقفوا مع شعبها الذي تعرض لشتى صنوف الموت والتعذيب من العصابة الحوثية الإرهابية، بل ليشاهدوا مسرحية تدور في البحر الأحمر، مشيدين بهذه العصابة المجرمة التي تتقمص لعب دور الدفاع عن قضية فلسطين وهي الذابحة لليمن شعبا ودولة من الوريد إلى الوريد.   إن ما عانى منه الراحل "العيني" يعانيه اليمنيون راهنا، إذ لا فرق بين الأمس واليوم. كان عرب الخمسينات يعللون استباحة الدم اليمني من الإمامة الكهنوتية بالاستقلال، أما عرب اليوم فيعللون تقتيل وتشريد اليمنيين وسرقة أموالهم ولقمة عيشهم بدعوى مواجهة العصابة الحوثية لأمريكا وإسرائيل ونُصرتها لغزّة في خليج عدن! 

جراحات اليمن النازفة لم تتوقف عن الجريان، ها هي تنزف في أرياف اليمن وحواضره على أيدي العصابة الحوثية العنصرية، النسخة الجديدة للإمامة الكهنوتية التي أذاقت اليمنيين الويلات خلال القرن الماضي. فمن يستمع لأنين أطفال اليمن وصرخات حرائرها في السجون والمعتقلات؟ أين العرب وموقفهم العروبي من هذا البلد المجفو والمنسي من نصرتهم وشهامتهم القومية والدينية؟ لماذا يغضون بصرهم ويصمون آذانهم تجاه ما يتعرض له شعبه من آلام وعذابات ومحو لثقافته وهويته وتاريخه؟

أقلام عربية كثيرة تحولت إلى مناديل لمسح دماء اليمنيين الأبرياء من أيدي القتلة الحوثيين السُّلاليين، لكنها ستندم لا محالة على ما تقترفه بحق شعبنا المظلوم، وسيأتي اليوم الذي يود فيه العرب، لاسيما عرب الخليج ومصر، لو اتفدوا اليمن بكل شيء كي يعود إلى حاضنتهم العربية وعمقهم القومي العربي الاستراتيجي.

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي