عرب اليمن وسلالية الإمامة!

توفيق السامعي
الجمعة ، ٣١ مايو ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:١٥ مساءً

 

يطلق الإماميون على القبائل اليمنية مصطلح "العرب"، كوصف واستعمال يوحي بالتعالي والعنصرية المقيتة، وفيه استنقاص وتهكم، لا يمكن استخدامه إلا من قومية أو عرقية أخرى غير عربية، مع أنهم يقولون إنهم صلب العرب من قريش، فماذا يقصد الإماميون بهذه التسمية؟!

يطلق الإماميون هذه التسمية على القبائل المناصرة لهم، المقاتلة في صفوفهم، كنوع من التمييز العرقي السلالي، وهم في أثناء الحروب، فكيف بمعارضيهم وأعدائهم؟! بينما يطلقون على محاربيهم من الهاشميين مصطلح "مجاهدين"؛ فهم ليسوا مجاهدين في سبيل الله ونصرة الدين والدفاع عن الأوطان والمستضعفين، أو في سبيل نشر الدين، بل هم يجاهدون إخوانهم المسلمين من اليمنيين وغير اليمنيين، في سبيل السيطرة على الحكم، باعتباره حقاً إلهياً وتمييزاً دينياً لهم، ويطلقون على خصومهم المسلمين أقبح الأوصاف، ويشنعون عليهم أشنع الصفات، للتحريض عليهم وقتالهم واستحلال دمائهم وسلب أموالهم، كنوع من الدافع المعنوي لمقاتليهم للثبات في المعركة والبطش بالمعارضين دون وازع من دين أو وخزٍ من ضمير، ومتأخرُهم يقلد متقدمَهم في ذلك التشويه واستخدام نفس المصطلحات التشويهية بحق خصومهم لإعطاء مقاتليهم دافعاً معنوياً حتى لا يؤنبهم ضمير ولا يتراجعون عن قتال إذا جودلوا بالحجة والمنطق، أو كان هناك حوار معهم.

 

يسوق لنا الرحالة الدنماركي كاريستن نيبور، في كتابه "رحلة إلى شبه جزيرة العرب" مثالاً بسيطاً من هذا التعامل؛ سواء في إطلاق هذا المصطلح، أو في الغدر الإمامي بمناصريهم من القبائل اليمنية، فيقول: "بعد غزو تعز أظهر الإمام [المنصور علي] محبته العميقة تجاه سلالة سيدي أحمد والشيخ عبدالرب، ودعاهم لزيارة صنعاء. ورغم خوف عبدالرب من زيارة هذه المدينة، إلا أنه لبى الدعوة نظراً للخدمات التي أداها للإمام، وبناءً على إلحاح النقيبين الماس وأحمد بن النقيب علي الأحمر، غير أن الإمام خان ثقة الأبطال العرب وقادته المخلصين له عند وصولهم إلى صنعاء [غدر بهم]"( ). 

 

وقد صارت هذه التسمية على اليمنيين تقليداً عند بعض المؤرخين، كما يذكر صاحب كتاب - البرق اليماني في الفتح العثماني، فقال عن غزو المطهر لزبيد: "وحط المطهر على زبيد عدة محطات، واستمال مشايخ العرب، وأرسل إليهم بالإحسان ليكونوا معه، فمنهم من مال إليه، ومنهم من لزم نفسه، ومنهم من انتمى إلى أحمد الناخوذة، وأعانه بالعدد والمدد، انتصاراً لأهل السنة، وفراراً من أهل البدعة وأكثرهم عربان أهل زبيد ولحج ومن والاهم، وجميع رعية أهل هذه البلاد فإنهم شافعيون سنيون، فحشد أحمد الناخوذة وجمع ما عنده من الترك والأروام والمغاربة والعرب"..

 

وعلى الرغم من مُضي ألفٍ ومائتي عام على دخول السلاليين الهاشميين إلى اليمن، وصاروا يمنيين موطناً، إلا إنهم لم يندمجوا في الشعب اليمني أو يُذيبوا عرقيتهم وسلالتهم فيه كما يفعل الكثير من المهاجرين في العالم قديماً وحديثاً، ويميزون أنفسهم عن اليمنيين وينادونهم باليمنيين، ويصفون أنفسهم بالهاشميين دون حتى الانتساب للعروبة، كما في الروايات السابقة، وروايات غيرها كثير، لما لها من غمز ولمز وتمييز سلالي عرقي، وهذا يبقي على جمرة الأحقاد والضغائن متقدةً تحرق اليمنيين في كل عصر، كلما هبت رياحٌ زعزعتِ الاستقرار في البلاد.

 

لقد كان سبب تسمية اليمنيين بالعرب من قبل الأئمة، هو أنهم، وعلى الرغم من إقامة دويلاتهم في اليمن، إلا أن الولاء للمرجعيات الفارسية ظل طويةً لهؤلاء الأئمة في أنفسهم، من الذين كانوا يستقبلون المجندين الوافدين من الطبريين من فارس والديلم والعراق والانضمام إلى صفوف الإمامة ضد الشعب اليمني، حتى استكثر الأئمة منهم، وصار لهم خطاباً لامزاً تجاه القبائل اليمنية المناصرة للإمامة، ويطلقون عليها "العرب"، من باب اللمز العنصري، وظل يُستخدم هذا الأسلوب الخطابي حتى عهدنا من العصر الحديث، كما جاء في تاريخ الدر المنثور للإمام المنصور محمد بن يحيى حميد الدين، وحدث الكاتب صديق له من ذمار أنه في عهد آبائه ما زالوا يطلقون هذا اللفظ ويستخدمون هذا الخطاب إلى اليوم. 

 

في مقابلة تلفزيونية شهيرة، قبل الانقلاب الحوثي، أجراها الزميل عارف الصرمي مع المرتضى المحطوري، استخدم الأخير صفة اليمنيين على المحاور واليمنيين في البلاد، كنوع من هذا التمييز العنصري الذي لم يُذِب هذا التعالي الهاشمي والتمييز السلالي، ولما سأله المذيع: لماذا تطلق هذا المصطلح؟ وهل أنت لست يمنياً؟! كان رده إيحاءً بأنه هاشمي وليس يمنياً، وهذا يشعر الجميع، بل ويدل على أنهم ما زالوا، بعد ألف ومائتي عام من وفادتهم إلى اليمن والسيطرة عليها، جالية أجنبية تكرس استمرار الصراع وإحياء الغزو والحروب والدمار في كل قرن.

 

تعج كتب التاريخ، وخاصة كتبهم، بهذا المصطلح والتقسيم، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عدم اندماجهم في المجتمع وذوبانهم فيه، لتعكس مدى الإجرام والمرض والعنصرية المتغلغلة في نفوسهم وثقافتهم، مع أن عالم اليوم يذوب المهاجرون في دول المهجر، ويشعرون أنهم مواطنون في دولهم الجديدة من خمس إلى عشر سنين.

 

لا يشعر السلاليون أنهم عربٌ أبداً، وهذا أمر خطير، بل وفاضح لأجندتهم الحقيقية بأنهم فُرْسٌ ولا يمتون للنبي العربي ولا النسب الهاشمي بصلة، وهو اعتراف صريح من تلقاء أنفسهم، ليعلم الجميع أن ولاءهم ومرجعهم الأول ومعتقداتهم وثقافتهم إيرانية صرفة، ويرفضون الاندماج في المجتمع اليمني، ولذلك ترتب على هذا الأمر دمارُ كل اليمن عبر القرون الغابرة.

 

قد لا يُلامُ المجرم على إجرامه، وصاحب المشروع السيئ على مشروعه، ولكن الملامُ هو الطرف الذي يقبل بمثل تلك المشاريع التدميرية، ويتماهى معها، ويذل نفسه في طريقها، والتعايش معها، حتى يصير عبداً مسيراً قابلاً بكل أنواع الظلم، ومن هنا تدمر الشعوب وتستعبد.

 

علينا –كيمنيين- أن لا نرضى بالاستعباد الإمامي، والتحرر من ثقافة الرضوخ والخنوع والقبول بالأمر الواقع، حتى لا نصير عبيداً لسلالة تشعر بالتميز علينا واستعبادنا عبر التاريخ.

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي