عبدالله باذيب.. ووزير الإعلام والثقافة

عبدالفتاح الحكيمي
الاربعاء ، ١٦ نوفمبر ٢٠٢٢ الساعة ٠٤:٢٤ مساءً

ليس لأنها مكتبة عبدالله باذيب الوطنية فقط، ولكن لإن هذا الرجل أيضاً يستحق أن ترفع له القبعات، أقصد هذا الوزير الشاب المثابر القادم من منطقة إريان بمحافظة إب ليحيي في نفوس الكثير من المثقفين والأدباء والشعراء والمفكرين بارقة أمل في ليل انكساراتنا المتلاحقة.

مكتبة عبدالله باذيب هي رئة عدن الكبيرة التي تنفس منها كثيرون، وواكبت مسيرة حياتهم الثقافية والفكرية، وترقي الوعي المعرفي الإنساني الشامل رغم تعثراتها في السنوات الأخيرة من الحرب.

وقرار وزير الإعلام والثقافة والسياحة الخاص بإعادة تسمية هذه المكتبة باسم عبدالله باذيب كما كانت عليه له علاقة قصوى بالثقافة لا بالسياسة، لإن الباذيب هذا رحمه الله كان مفكراً وداعية لتطور العقل اليمني منذ ١٩٤٨م عندما كان رئيس التحرير(ألخفي) لمجلة المستقبل التنويرية الرائدة ومروراً بسكرتاريته لتحرير جريدة النهضة، ثم إصداره صحيفة الطليعة، وزعيماً سياسياً وإلى وفاته ١٩٧٦م ظل مشعل تنوير وتثوير لم يقترب كثيرون من فهم وسبر اغواره وخصوصيته الفكرية الإنسانية الكبيرة.

إعادة الإعتبار الأدبي من وزير الإعلام لهذا الرجل يستحق من الدولة والمثقفين أكثر بكثير.. وهي خطوة على طريق تكريم حقيقي لرجال التنوير والفكر كلهم في عدن وحضرموت واليمن بكل جهاتها.

وما لم يستطع كثيرون تمييز حقيقة وجوهر انتماء الراحل الكبير عبدالله عبدالرزاق باذيب وميوله الفكرية السياسية، فهو أنه لم يكن ماركسياً ولا شيوعياً كما احتسبه كثيرون على مرحلة ما بعد استقلال جنوب اليمن نوفمبر ١٩٦٧م التي شغل فيها وزير التربية والتعليم.

فالرجل أكبر من ذلك بكثير، إذ نشأ متأثراً بأفكار الثورة الفرنسية، وفولتير ومونتيسكيو وغيرهم إلى تأثره الشديد بتجربة الإشتراكية الصينية المنتجة، كتجربة لبناء الإنسان والدولة والحضارة، وليس تأثراً بأفكار دينية اعتقادية الحادية كما ذهب البعض. ولا يزال الباذيب الشاهد الحي على صواب توجهاته الفكرية الواقعية لما حصل قبل وبعد ذلك من خضات اجتماعية عنيفة منذ نوفمبر ١٩٦٧م في تجاوز مراعاة الخصوصية الثقافية للمجتمع اليمني.

وربما كان الباذيب في ذلك أقرب إلى نهج التوجهات السياسية الواقعية للرئيس الشهيد سالم ربيع علي(سالمين) رحمه الله، والرهان على أفضلية الإستفادة من تجربة الصين الشعبية في بناء الإنسان وقوى الإنتاج الفلاحية، حيث مقومات الأرض والزراعة تتيح الكثير. اختلف عبدالله باذيب رحمه أواخر اربعينيات القرن الماضي والخمسينيات مع رجال الدين ونشر انتقاداته الفكرية لطروحاتهم الخاصة في الصحف العدنية الشهيرة، ثم نجده يُصلِّي خلفهم في الصف الأول مع صديق عمره اللدود الشاعر الرومانسي الكبير لطفي جعفر أمان رحمه الله، الذي شهد معه في مجلة المستقبل، وصحيفة النهضة أعتى المعارك القلمية حول التجربة الشعرية، والشعر الأصيل وغيرها، ثم عَيَّن الوزير عبدالله باذيب بعد الإستقلال صديقه الشاعر هذا مديراً للمعارف والتربية.

مكتبة عبدالله باذيب الوطنية ظلت طوال عقود رافد تنوع معرفي ثقافي بمكونات أجنحتها ومعروض كتبها ومجلداتها القديمة والحديثة، رغم تضرر مبناها ومحتوياتها من دورات العنف والإهمال والقصف، وتوافرها رغم كل ذلك على كادر وظيفي مؤهل وخبير  عمل في أحلك الظروف، كوني شاهداً على ذلك لحميمية علاقتي بالمكتبة التي اضطرت إدارتها قبل فترة العمل من مكتبة أخرى(مكتبة الطفل) مكتبة مسواط.

ولأنني لمست في وزير الإعلام والثقافة الأستاذ معمر مطهر الإيراني حرصه وحماسته لوضع بصمة ثقافية هنا أو هناك، منذ رهانه على إعادة مطابع مؤسسة ١٤ أكتوبر وصحيفتها إلى الحياة بأي ثمن ونجاحه في ذلك، لم أتفاجأ بخطوته الأخيرة، فلن يقف الرجل باعتقادي عند لمسات كهذه، فثقل عدن وتاريخها وعمقها الثقافي ورمزيتها الأبداعية ورجالها وبنيتها غطت اليمن والجزيرة والخليج طوال القرن الماضي.. ولا تزال.

وتحية لهذا الوزير الذي بدأ يضع يده على الجرح والوجع الثقافي في عدن أولًا ثم باقي المناطق، ولنتفاءل بحماسته وإخلاصه البائن، بخطوات ثقافية وأدبية قد نلمسها تباعاً.  

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي