ما الذي تبقى من أحلام الأطفال حين يتحول الصيف إلى كابوس؟ ما الذي تبقى من الوطن حين يُزجّ بأبنائه في محرقة لا تنتهي؟ مع اقتراب انتهاء العام الدراسي، تتكشف واحدة من أكثر الجرائم فظاعة ووقاحة ترتكبها مليشيا الحوثي الإرهابية بحق التعليم، بحق الشباب، بحق اليمن كله. إنها ليست مجرد خطوة خاطئة بل فعل منظم وممنهج لتخريب وعي الأجيال وقتل مستقبل بلد بأكمله.
المعسكرات الصيفية التي عرفناها يوماً كمؤسسات تعليمية وترفيهية أصبحت الآن مصانع إنتاج لمقاتلين صغار، يغسلون عقولهم بشعارات الموت ويملأون قلوبهم بالحقد. إنها محاولة خبيثة لتغيير هوية اليمن، لطمس وسطيته، لضرب اعتداله التاريخي، في خدمة مشروع طائفي دخيل تقوده إيران ويُغلف بشعارات دينية زائفة لكنه في حقيقته خطة عسكرية وايديولوجية لإنتاج جيل ممسوخ الوعي، مفخخ بالكراهية، مطبوع على الطاعة العمياء.
القرار لم يُعلن رسمياً لكنه يُنفذ بخبث وهدوء في زوايا المدارس، في منشورات تُوزع، في تعليمات مشرفين، في ضغوط تمارس على الأهالي، وكل ذلك يُقدم تحت عناوين خداعة من مثل "التطوع" و"الواجب الديني". الفئة المستهدفة هذه المرة ليست أطفالاً يمكن تضليلهم بسهولة بل شباب أنهوا للتو امتحانات الثانوية العامة، يقفون على ابواب أحلامهم فيُساقون قسراً إلى ساحات الحرب بدلاً من قاعات الجامعات.
إننا لا نتحدث عن نشاط صيفي عابر بل عن مشروع لغسل العقول، لصياغة وعي ايديولوجي يقوم على تصنيف المجتمع إلى مؤمن وعدو على اساس الولاء لا على أساس الوطن. سلاح في اليد وعقيدة زائفة في الرأس وصراع لا ينتهي، هذا هو الحصاد المنتظر من تلك المعسكرات.
والأرقام مرعبة. أكثر من 10 آلاف طفل جندتهم مليشيا الحوثي بين 2014 و2021، بحسب تقارير حقوقية، في حين حققت الأمم المتحدة في 1851 حالة فردية لتجنيد الأطفال منذ عام 2010. إنها جريمة حرب موثقة لا لبس فيها ولا تحتاج إلى دليل إضافي لتثبت بشاعتها.
اما الأهالي، فبين فكي كماشة الخوف والحيرة. الصوت العالي قد يُفسّر خيانة والرفض يُقابل بالتهديد والنبذ. وهكذا، ينتزع الأبناء من احضان أمهاتهم وآبائهم، يُجبرون على الالتحاق بمعسكرات الموت ويضيع ما تبقى من العقل في دوامة الضغط والخوف. اما المليشيات الارهابية فتجد في هذا الجيل المنهك من الحرب فرصة لملء جبهاتها في قتال لا تبدو نهايته.
إن ما تفعله مليشيا الحوثي الارهابية اليوم هو جريمة مكتملة الأركان. إنها محاولة لطمس الوعي، لكسر الهوية، لخلق واقع مشوه يربّي أجيالاً على الكراهية والانقسام. ما يحدث ليس مجرد فعل داخلي بل تهديد خطير لمصير وطن كامل لن يغفره التاريخ.
نناشد الجهات الحكومية ان تتحمل مسؤوليتها كاملة في وقف هذا العبث ومن المعيب ان نوجهها وفق اختصاصاتها: كيف و ماذا تعمل. لا وقت للبيانات ولا جدوى من الصمت. كما نأمل ان تدرك الجهات الإقليمية والدولية حجم الجريمة وان تتحرك بحزم لوقف تجنيد الأطفال وانتهاك التعليم واستغلال الدين.
إننا في لحظة حاسمة لا مجال فيها للتردد. فإما ان يُستعاد الوعي ويُحمى الجيل او نكتب بأيدينا شهادة غياب لوطن بأكمله و سوف يسجل التاريخ كل من تواطأ بالصمت وكل من نظر بعيداً بينما كانت الأجيال تُختطف امام عيوننا.
-->