خواطر رمضانية (15) العزيمة في الثبات والإيمان والتوكل على الله – تدبر قصة موسى عليه السلام

د. علي العسلي
السبت ، ١٥ مارس ٢٠٢٥ الساعة ٠١:١٤ صباحاً

 

قصص الأنبياء في القرآن تحمل عبرًا ودروسًا عظيمة، ومن أبرزها قصة موسى عليه السلام، التي تجسد الثبات في الإيمان والتوكل على الله رغم التحديات. فقد واجه موسى فرعون الطاغية، وصبر على تكذيب بني إسرائيل، لكنه لم يفقد يقينه بالله.

كلّم الله موسى عند الطور واصطفاه بالوحي، وكلفه بالرسالة، فأمره بدعوة فرعون إلى التوحيد، فقال تعالى:

"إِنِّي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكْرِي" (طه: 14).

ثم دعاه إلى مخاطبة فرعون بلين، لعله يتذكر أو يخشى.

وقد أيد الله تعالى موسى عليه السلام بتسع آيات بينات ليقيم الحجة على فرعون وقومه، وهي: العصا التي تحولت إلى ثعبان، اليد التي تخرج بيضاء من غير سوء، الطوفان، الجراد، القمل، الضفادع، الدم، فلق البحر، وانفجار الماء من الحجر.

قال تعالى:

"وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ ءَايَٰتٍۢ بَيِّنَٰتٍۢ فَسْـَٔلْ بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ إِذْ جَآءَهُمْ فَقَالَ لَهُۥ فِرْعَوْنُ إِنِّى لَأَظُنُّكَ يَٰمُوسَىٰ مَسْحُورًا" (الإسراء: 101).

ثم جاء مشهد المواجهة بين موسى وفرعون والسحرة، حيث أظهر موسى آيات الله، فكذّبه فرعون، وجمع السحرة لمواجهته. ولكن ما إن ألقى موسى عصاه حتى سجد السحرة مؤمنين قال تعالى:

"فَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا۟ ءَامَنَّا بِرَبِّ هَٰرُونَ وَمُوسَىٰ" (طه: 70).

فغضب فرعون وهددهم، لكنهم ثبتوا على الإيمان قائلين:

"لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَٰتِ" (طه: 72).

ورغم أن موسى دخل في مواجهة مع فرعون من أجل إرسال بني إسرائيل معه، إلا أن بني إسرائيل ظهروا ضعيفي الإيمان، رغم الآيات والمعجزات، فقالوا عند اشتداد العذاب عليهم:

"أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِنۢ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا" (الأعراف: 129).

وعندما رأوا البحر أمامهم وجيش فرعون خلفهم، قالوا:

"إِنَّا لَمُدْرَكُونَ" (الشعراء: 61).

لكن موسى ثبتهم بكلمته الخالدة:

"كَلَّآ إِنَّ مَعِىَ رَبِّى سَيَهْدِينِ" (الشعراء: 62).

وفعلًا، هدى الله موسى عليه السلام، فأمره أن يضرب البحر بعصاه، فانفلق البحر ونجا بنو إسرائيل، وغرق فرعون وجنوده. وعند الغرق، قال فرعون كما جاء في قوله تعالى :

"ءَامَنتُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱلَّذِىٓ ءَامَنَتْ بِهِۦ بَنُوٓ إِسْرَٰٓءِيلَ وَأَنَا۠ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ" (يونس: 90).

لكن الله رد عليه:فقال تعالى:

"ءَٱلْـٰٔنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ" (يونس: 91).

دروس مستفادة

1. التوكل على الله: رغم الصعوبات، كان موسى على يقين بأن الله سينصره.

2. الصبر والثبات: صبر موسى على تكذيب فرعون واعتراض بني إسرائيل.

3. الحوار بالحكمة: استخدم موسى أسلوب "قال" و"قل" في حواره مع فرعون، مما يعكس قوة الحجة والبيان.

4. الإيمان الحقيقي يظهر في الشدائد: كما حدث مع السحرة الذين تحولوا من أعداء إلى شهداء في سبيل الله.

ختامًا

قصة موسى ليست مجرد أحداث تاريخية، بل هي دروس في العزيمة والثبات والإيمان، تبعث الأمل في النفوس، وتؤكد أن النصر مع الصبر، وأن الله لا يضيع عباده المؤمنين.

اللهم كما قلت لموسى "إني أنا الله"، فثبّت إيماننا بك، وكما قلت له "لا تخف إنك أنت الأعلى"، فأزل الخوف من قلوبنا.

اللهم كما قال موسى "إن معي ربي سيهدين"، فاهدنا في كل أمر، وكما قلت لفرعون "آلآن وقد عصيت قبل"، فاجعلنا ممن يتوبون قبل فوات الأوان.

اللهم اجعلنا من الذين إذا قيل لهم "قالوا آمنا"، لا من الذين إذا أدركهم الموت قالوا "آمنت".

اللهم إنّا نسألك يقينًا كيقين موسى، وصبرًا كصبره، وثباتًا كثباته، واستجابة لدعائنا كالاستجابة له ووزيره" هارون" عليه السلام. اللهم اغفر لنا ذنوبنا، واهدنا إلى صراطك المستقيم، آمين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي