مطيع دماج /رحم الله المساح وروحه التي لم تتلوث

كتب
الثلاثاء ، ٣٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٠:١٣ مساءً

عندما وصلني نبأ موت المساح رأيت وجه أبي أولا ثم جاء وجه الاستاذ محمد " العم محمد " قادما من القلب لا الذاكرة ، ليملأ مساحة عقلي كلها : الوجه المتوج بابتسامة واضحة لا توارب ولا تمنح نفسها إلا لمن تبتسم روح المساح لهم ، الخطى السريعة التي تترك الظل يلهث مقتفيا زخم الجسد النشيط  الفوار ، و اللهجة القروية النقية التي نجت  دون خدش من  مخلب المدن المستعجلة بابناءها الباحثين عن تفوق متوهم في السخرية من لسان القرى ، ربما احتمت لهجته تلك بالامتلاء الفريد بمعنى القيم و الحقيقي وبفعل شخصيته النقية الذات بلا ذرة غطرسة أو نفاق والصلبة التي لا تهب الصراع والمسالمة التي تطمئن وتُطمئن في آن.

كلما غيب الموت روح عظيمة ، يتنفس الحزن وتسيل الكلمات الحبيسة و المراثي التي غالبا ما تكون بكاء النفس 

على النفس . والمساح قبل أي شيء هو روح عظيمة لم تتلوث : روح لم تعرف الكذب أو الزيف ولا الخوف أو النفاق . روح عرفت من الحزن أقساه ومن الخسارات أفدحها الإ انها في الطريق الوعر إلى واحة الله لم تتلوث . 

والحقيقة أنني خلتني وحدي من خاف من رغبة رددتها المراثي وظنت أنها تصنع خيرا باختزال  المساح في دور المبدع الضحية . لكن ما قاله سهيل ابن المساح في تأبين الاستاذ محمد كان رفضا أصيلا لذلك فحقيقة المساح  كما اختزلها سهيل  "  أشبه بأغنية ثورية خالدة تدعوا للتمرد والغضب " 

المساح سيرة تستحق أن تروى وبين أصدقاءه الاحياء من يمتلك تفاصيل سيرته : المساح الطالب النقابي الشجاع ، المساح المناضل الصلب القابض على قضيته بلا مهادنة ، المساح الصحافي الفريد منذ عين الكاميرا إلى لحظة يا زمن، المساح الكاتب الموقف منذ " صنعاء مدينة صغيرة والعسس في أول الطريق" وحتى يومه الأخير . والمساح القارئ الذي لا يضاهى يتشرب ويتمثل بشغف خالد الثقافات الإنسانية المختلفة ولا يغيب أبدا عن ذاكرتي حديثه يوما مع أبي في بيتنا عن الهنود الحمر  انتهى به منشدا ، بأداء وقف له شعر رأسي ،قصائد و ترانيم ونصوص دينية للهنود الحمر . كان مقلا في خوض النقاشات لكن حين تأنس نفسه بمن يحب تنداح منه معارف ساحرة و نصوص نادرة . أتذكره يتعلم اللغة الفرنسية في منتصف التسعينات مرددا كثيرا من الجمل المموسقة التي خلبت لب الشاب الذي كنته ذات يوم . 

المساح سيرة يجب أن تروى فهي الدليل على عظمة روح الإنسان التي تستطيع أن لا تتلوث رغم القهر والتجويع و اختفاء الابن الذي له وقع الرصاصة في قلبٍ أحب الناس و اختارهم كقلب المساح . 

كان المساح واحد من أقرب الأصدقاء إلى قلب أبي و السر في ذلك لم يكن متاحا لنا للأسف . فهما شخصان كتومان حين يتعلق الأمر بالحديث عن النفس . كانوا ارواح صافية لم تتلوث . رعوا مبادئهم  دون كلل وانتموا لوطنهم بلا تردد وعاشوا بين الناس و مثلهم . 

رحم الله الاستاذ محمد  ، رحم الله العم محمد . رحم الله المساح  وروحه التي لم تتلوث .

الحجر الصحفي في زمن الحوثي