قضية انتصار الحمادي.. صرخة في وجه الظلم لا سلعة في سوق النخاسة

لؤي العزعزي
الثلاثاء ، ١٥ ابريل ٢٠٢٥ الساعة ٠٧:١١ مساءً

عجّت الساحة بمقالات تتناول ما يزعم باستغلال قضية انتصار الحمادي من قبل ناشطين حقوقيين، واصفة جهودهم بحملة مسعورة خفية الأهداف والتوقيت، بالتزامن مع حملة مناصرة واسعة أطلقناها.

 

أسئلة مؤلمة طُرحت حول طبيعة العمل الحقوقي ودوافعه، لكن، عوضًا عن الانزلاق في مستنقع الاتهامات المجانية، الأجدر بنا التعمق في الحقائق الجوهرية لهذه المأساة، وتفنيد الادعاءات بمنطق قويم يستند إلى الوقائع لا إلى الظنون والتشويه.

في قلب قضية انتصار الحمادي، تقبع فتاة يمنية يافعة، قبعت خلف القضبان، ذاقت صنوف التعذيب، وحُكم عليها جورًا بتهم زائفة.

هذه ليست مجرد حكاية هامشية، بل هي تجسيد حي لانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، ورمز للقمع الممنهج الذي تواجهه المرأة اليمنية في مناطق نفوذ الحوثيين.

فانتصار لم تُسجن لارتكابها جرمًا، بل لتحديها التقاليد البالية، ولكونها امرأة طموحة وفنانة تنتمي إلى شريحة اجتماعية مهمشة.

إن الحديث عن تحويل معاناتها إلى "سلعة" أو "موسم ذهبي" هو تقليل مشين لحقيقة مرة.

الدعم الدولي الذي حظيت به قضية انتصار لم ينبثق من فراغ، بل استند إلى تقارير موثقة من منظمات حقوقية دولية مرموقة كـ"هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية"، والتي وثقت بالأدلة القاطعة تعرضها للتعذيب والإكراه على الاعتراف بتهم لم تقترفها، واقتصر دوري على التوثيق والمتابعة دون أي مقابل مادي.

هذه المنظمات، التي تعمل وفق معايير مهنية وأخلاقية راسخة، لم تتعامل مع محنتها كفرصة للتمويل، بل كواجب إنساني وقانوني يستوجب التدخل والمحاسبة.

أما الزعم بأن صديقات انتصار الأخريات نلن حريتهن بسهولة من السجن، فهو ادعاء منافٍ للحقائق الموثوقة. تشير التقارير بوضوح إلى أن ثلاث نساء أخريات صدر بحقهن حكم بالسجن مع انتصار في القضية ذاتها، مما يدحض فكرة وجود معاملة تفضيلية أو استهداف خاص لانتصار بهدف "استغلال" قضيتها.

إن جوهر العمل الحقوقي يكمن في كشف الانتهاكات والدفاع عن حقوق الضحايا، لا في "تسويق المآسي".

تعتمد المنظمات الحقوقية على آليات دولية وقانونية لتوثيق الجرائم ومطالبة الأطراف المسؤولة بتحقيق العدالة.

ولو كانت قضية انتصار مجرد "مشروع تجاري"، لما استمر التضامن معها لأكثر من أربع سنوات في ظل تعتيم إعلامي نسبي خارج اليمن، ولما بذلت هذه المنظمات جهودًا مضنية لتوثيق معاناتها وتقديم الأدلة للمجتمع الدولي.

إن اختزال معاناة انتصار الحمادي في إطار "سوق النخاسة الحقوقي" يُعدُّ تجريدًا لها من إنسانيتها ومن حقيقة الظلم الذي ألم بها. قضيتها ليست مجرد رقم في تقرير، بل هي صرخة مدوية في وجه القمع والاستبداد، وكشف للواقع المرير الذي تعيشه المرأة اليمنية تحت حكم الميليشيات. إن التشكيك في دوافع المدافعين عن حقوق الإنسان هو محاولة لإسكات الأصوات الحرة التي تسعى لكشف هذه الانتهاكات وكسر حاجز الصمت والخوف.

ختامًا، قضية انتصار الحمادي ليست "دجاجة تبيض ذهباً" كما صورها البعض ممن هاجموا المدافعين عن الحقوق والحريات، وتجاهلوا القضية والجناة الحقيقيين.

القضية هي اختبار حقيقي لضمير العالم. إنها دعوة للتحرك العاجل لإنقاذ حياة امرأة دفعت ثمن اختلافها وتحديها للقيود المجتمعية.

إن التضامن معها ومع غيرها من ضحايا الظلم ليس "موسمًا" عابرًا، بل هو واجب أخلاقي وإنساني مستمر، ولن تثنينا أي محاولة تشويه أو تضليل عن المطالبة بالعدالة والإفراج الفوري وغير المشروط عنها.

إن النضال من أجل الحق والحرية ليس تجارة، بل هو صرخة أمل في وجه الظلام.

 

-->
الحجر الصحفي في زمن الحوثي